مقالات الرأى

أمينة شفيق  تكتب : الصحبة النقابية

0:00

كانت نقابة الصحبيين مفتوحة لنشاط كل الاعضاء. كنا نذهب ليلا للقاء وللسهر. وكانت ليبرالية للغاية. ممكن ان تطلب فيها كل شيء من الشاى إلى ماشاء الله. وكنا نلعب فيها كل انواع اللعب المعروفة في ذلك الزمان. . طاولة ودومينا وكوتشينة. وكان يتربع علي هذه الالعاب صحفيو المعاش الذين كنا نحييهم في الداخلة والخارجة. واتذكر احدهم الذي كان يتمسك بعبارة “انت في مركز حرج” اي انه إقترب من الهزيمة في دور الطاولة ليجيب الآخر ” في اي مديرية ها ها ها”. كان جوا اخويا يجمع الكبار والصغار. وكانت المشكلة الحقيقية لدى الزملاء على المعاش هو المعاش الصغير الذى يتقاضونه من النقابة والذي بدأه وحدده السيد صلاح سالم الذى جاء إلى منصب النقيب بعد أحداث عام 1954 الشهيرة. قبل هذا العام لم تكن النقابة تصرف معاشات . وكان المعاش حتى ذلك الوقت ستة جنيهات فقط لا غير. لذلك كنا شباب ولكن نتعاطف مع الزملاء الكبار في السن الذين يعيشون وعائلاتهم على هذا المبلغ الضئيل.
في  هذه الايام لم تكن الدولة قد اصدرت قوانين او نظم المعاشات الحكومية التي تؤسس على فكرة التضامن بين الصغير والكبير وبين المتوفي والحي. لذاك كنا شددي التعاطف مع الزملاء الكبا في السن خاصة وانهم كنوا يرحبون بنا ويدعوننا إلى المشروبات. ومن هذه الصحبة تعرفت على عدد كبير جدا من الزملاء الذين كانوا يملكون ذاكرة حديدية تروي لي احاديث و نوادر العصر السابق على ثورة 1952. كانوا يحكون لي اسرار السياسة الحزبية ونوادر السياسيين. وكانوا شديدي التمسك بالقديم السياسي وشديدي النقد للوضع “الحالي” حين ذاك.
وكان لديهم حنين جارف للحزبية وللوضع السياسي القديم. لذلك علموني بعض النقد السياسي الذي يتناول الاجراءات التي تتخذها الحكومة في هذا الزمان . ومنها بل واهمها اصرار الحكومة على المجيء بصلاح سالم كنقيب للصحفيين. كانوا يقولون و”هو كان صحفي” وكانوا يرددون ان الدولة جاءت به وبالستة جنيهات لتسكت الصحفيين. وكانوا يتحدثون كثيرا عن احمد وحسين ابو الفتح الزملاء “الحقيقيين” في النقابة والذين شاركوا في بناءها ونموها.
كما كانوا يتحدثون عن فكري اباظة ود طه حسين الذي كان يمتلك القدرة على مناطحة الملك “شخصيا”. الخلاصة ان هذه النقابة امتلكت عقولا معارضة كانت قوية وتعرف ماذا تريد من السياسة وبالتحديد من حرية الصحافة وحرية الصحفي.
ولكن بدئوا يختفون الواحد بعد الآخر بالمرض أو بالوفاة وبدأت النقابة تفقد الشعر الابيض الذي كان يلف رؤوسهم وتستبدلهبحركة الشباب التي لا تهد. وكان اول ما فكرنا فيه هو دور الصحف القومية في التنمية الحقيقية. كان النقيب في ذلك الوقت هو الاستاذ حافظ محمود واقترحنا عليه تنظيم مؤتمر للصحافة نطرح فيه دور المؤسسات الصحفية الثلاثة في البلاد . وكيف يكون لكل مؤسسة دورهاالمحدد في الاعلام من خلال تبعيتها لمؤسسات محددة. واقترحنا ان تكون الاهرام هي لسان حال الرئاسة والجمهور لسان حال منظمات المجمع المدني والاخبار لسان حال الاحزاب “الاتحاد الاشتراكي”. الهام في الموضوع انها ، اى المؤسسات الصحفية ان تكون مستقلة وحرة وتعبر عن اراء كتابها. وفي الحقيقة لم يتدخل الاستاذ حافظ محمود في اقتراحاتنا ولم يطلب إلا ان نقدمها مكتوبة حتى يتسنى له عرضها على مجلس النقابة و بالفعلتمت صياغة الاقتراحات وقدمت للأستاذ حافظ محمودواتصلنا بالاستاذة امينة السعيد كانت عضو بالمجلس وابلغناها بالموضوع وانتظرنا. كان ذلك عام 1964 إن لم تخني ذاكرتي ولكن المؤكد لدي اننا الى الان لم نتلقى اي رد مع يقيني ان الاستاذ حافظ محمود “عمل ما عليه من وجبات” كنا شديدي الحماس لنقابتنا ولمهنتنا ولكننا لم نكن واعيين للواقع السياسي الذي نعيشه.
فتر حماسنا وبدأنا نبحث عن الجديد الذي نسعى إليه. ذهب عدد كبير منا للعمل في الاتحاد الاشتراكي العربي وتحديدا في امانة الدعوة والفكر أما انا فاستمر اصراري على إقتحامهذا المبنى وهذه المؤسسة التي شغلت بالي منذ زيارتي لاستاذي المريض في مستشفى فكتوريا القديم.

زر الذهاب إلى الأعلى
اكتب رسالتك هنا
1
تواصل معنا
اهلا بك في بوابة " مصر الآن"