مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: حنيف أم ضعيف؟!

0:00

منذُ بَعثةِ رسولِ الإنسانية _ صلى الله عليه وسلم _ للعالَمين قبلَ نحوِ (1458) عامًا، ورسالتُه تُحارَب، ومرَّت بمِحَنٍ كثيرةٍ خلال هذه السنوات، حتى أنَّ نبيَّنا محمدًا _ صلى الله عليه وسلم _ لم يَنعمْ بالراحةِ أبدًا، وكذلك مَن جاءوا بعده، وفهِمُوا عالَميةَ هذا الدين.

ومنذُ اللحظاتِ الأُولى لصاحبِ الرسالة قال له ورقة بن نوفل (ت: 610م): (لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ ما جِئْتَ به إلَّا عُودِيَ)!! إذًا فالعداءُ لهذا الدين لن يَكُفَّ إلى يومِ الدين، وقد كان صاحبُ الرسالةِ أَوْلَى بألا يُعادَى، لكنهم عادَوْه وآذَوْه وتآمَرُوا على قتلِه ” وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ” ( الحِجْر _ 6 )!! غيرَ أنَّ صاحبَ الرسالة لم يلتفت للأذى الذي وقعَ به، وسارَ في طريقِه لأنه كان يَعرِفُ هدفَه وقد وصلَ إلى مُبتغاه، وانقلبَ الذين تآمَرُوا عليه صاغرين، ومَن ظلَّ منهم على عِنادِه خسِرَ الدنيا والآخرة، فلا يُمَنِّيَنَّ أحدٌ نفسَه أنْ يعيشَ في راحة إنْ حَمَلَ مشاعلَ الرسالة ليُضيءَ الطريق.

إن اﻟﻌﺪاءَ اﻟﻤﻤﻨﮭﺞَ للإسلام مُتجذرٌ تاريخيًّا ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻐﺮﺑﻲ، بَيْدَ أن ما يلفتُ النظرَ أن النهجَ الجديدَ في العداء أن يكونَ بيدِ أبناءِ الإسلام المحسوبين عليه؛ ذلك أنَّ تآمُرَ شخصٍ من الخارج لسرقةِ بيتك ربما يكونُ أمرًا مفهومًا، لكنّ غيرَ المفهوم الذي يُصيب بالدهشة أنْ يفتحَ له البابَ أحدُ أفراد البيت!!

الإسلامُ دينُ الله الخاتم لذا فإنه يستمد قوتَه من الله، ولا يَضِيرُه أن يُهاجِمَه فردٌ أو (تكوين)، فهو الدِّينُ الحنيف أي المستقيم الذي لا عِوَجَ فيه، وهذا يُعطيه قوة، وهو الدِّينُ القَيِّم أي السيد، وتقول المعاجم إن كلمة (قيِّم) صفةٌ مُشبَّهة تدلُّ على الثبوت، ولكنه ابْتُلِيَ _ في هذه الآونة _ بأتباعٍ قَصَّرُوا في حَقِّه، يقول الشيخ “محمد الغزالي”(1917م _ 1996م): (بعد مسيرةٍ طويلةٍ للإنسانية، أنظرُ إلي نفسي ومَن حَوْلي، فأجدُ الشبهَ قريبًا بين أعداءِ مُحمد _ صلى الله عليه وسلم _ فى الأولين وأعدائِه في الآخِـرين .. على حين أجدُ الشبهَ بعيدًا بين أتباع محمدٍ _ صلى الله عليه وسلم _ في الأولين وأتباعِه في الاّخِـرين).

ليس الإسلامُ بالدِّين الضعيف وإلا لانتهى حين يضعُفُ أتباعُه، لكنه دينُ الله الحنيف، إلا تنصروه فقد نصره الله، وكلمةُ الله هي العُليا، يقول “الغزالي” في كتابه (هموم داعية): (وإنها لجريمةُ قتلٍ عمد أن ننتميَ إلى الإسلام، ثم لا نُحسِنُ فهمَه، ولا عَرْضَه، ولا العملَ به، ولا الدفاعَ عنه! والقَدَرُ لا يتركُ هذه الجرائمَ دُون قِصاص، فهل نُحسِنُ العملَ قبلَ أنْ نُؤخذَ بجريرتِنا)؟

إن هذا الدينَ قويٌّ لا ريبَ، لكنه لا يُريد أتباعًا كَسالى، يقولون ولا يَفعلون، يَحسبون الطريقَ إلى الجنة ما هو إلا أقوالٌ وتمتمات، آمالُهم كبيرة وأعمالُهم صغيرة، لا يَعرفون مِن الإسلام إلا ما يَظُنونه مُعينًا لهم على الكسل! بل يُريد أتباعًا من أحرار العقول وكبار القلوب، في ميادينِ العمل جِنُّ سُليمان، يملأون الدنيا حضارة، ترتقي بالناس إلى معرفة رب الناس، لا ينامون عن أهدافهم، وليست الدنيا أكبرَ همِّهِم.

زر الذهاب إلى الأعلى
اكتب رسالتك هنا
1
تواصل معنا
اهلا بك في بوابة " مصر الآن"