مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب : هاريس وترامب ..حلبة ملاكمة بدون ضربة قاضية

0:00

لم تكن مناظرة تقليدية بين المرشحين للرئاسة الأمريكية، فالمرشح الجمهوري دونالد ترامب خبير في الظهور الإعلامي وله باع طويل في تسويق نفسه، فهو وجه مألوف أمريكيا وعالميا، ولا ينسى الأمريكيون ظهوره في بعض الإعلانات التجارية عبر فترة من عمره، ولكن الأهم بالنسبة للأمريكيين فيما يتعلق بترامب، هو تعلقه في أذهانهم بخفة الدم وربما الصفاقة، فهو جرئ جدا في مهاجمة خصومه ولا ينتقي الفاظه وإنما يطلقها كما وردت على لسانه، فلا رقيب عليه ولا على لسانه السليط. ناهيك عن تصنيفه كشعبوي، أي لا يرتبط بمؤسسات الحكم أو بالدولة العميقة، فهو يقرر وفق ما يرى في لحظة ما دون العودة إلى الدبلوماسية أو الأعراف الرئاسية للبيت الأبيض، وغالبا ما يسب ويشتم بعض الرؤساء متعمدا ليحرج البيت الأبيض.
أما المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس فهي جديدة العهد بالانتخابات الرئاسية وأقحمتها الصدفة في هذه المضمار بعد انسحاب الرئيس جو بايدن عقب فشله الذريع في المناظرة الرئاسية الأولي مع ترامب الذي تفوق عليه بالضربة القاضية.
وبمناسبة الضربة القاضية، توقع بعض الجمهوريين أن يحقق ترامب نفس الانتصار في المناظرة الأخيرة مع منافسته الديمقراطية هاريس، ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، فكان لهاريس النصيب الأكبر من النجاح، وتمكنت من التفوق على ترامب وإن لم تكن بالضربة القاضية، لكنها إعادت للديمقراطيين الأمل في منافسة قوية على منصب الرئيس ليظلوا في البيت الأبيض فترة رئاسية ثانية.
هاريس قالت في المناظرة “هاريس: لن نعود للوراء ونعرف ما ندافع عنه”، مستغلة نسبة من أيدها بعد المناظرة إذ حصدت دعم نحو 63% من المشاهدين بحسب “سي إن إن” رأوا أن أداءها كان أفضل من ترامب الذي اتهم منافسته بأنها إذا فازت ستقود إلى حرب عالمية ثالثة ما تسبب له في انتقاد شديد.
استطاعت هاريس وقف تعليقات ترامب الساخرة، وجعلته يتفرغ للرد على الأسئلة التي تاهت منه، وبالتالي تخلى عن عادته القديمة بمهاجمة منافسيه ونعتهم بأوصاف مبالغ فيها كي يستفزهم. واستطاعت كامالا هاريس تحقيق انجازا في المناظرة حينما هاجمت ترامب على عكس المتوقع، وجعلته يفكر مليا قبل التنمر عليها و أبقته في موقف الدفاع، كما أن هاريس استطاعت استمالة الناخبات الأمريكيات بنسبة عالية خاصة في ظل وجود هوة بين الرجال والنساء.

وهاجمت هاريس ترامب على خلفية سجله وأسلوبه المبالغ فيه و”مجموعة الأكاذيب” التي كثيرا ما يطلقها. وقالت بعبارات حادة إنها عملت مع بايدن على “تنظيف فوضى دونالد ترامب”. واتهمت ترامب بأنه “يواجه وقتا عصيبا جدا في تقبّل” خسارته في انتخابات 2020. وفي تعليقات أغضبت بوضوح الملياردير الجمهوري، سخرت منه بسبب مغادرة بعض المؤيدين تجمعاته الانتخابية مبكرا. وبعكس طريقته العشوائية في الردود، لم يغضب ترامب ورد قائلا “مهلا، أنا أتحدث الآن” عندما قاطعته هاريس ليسهب في الحديث عن سياسات الهجرة والاقتصاد “المجنونة” لإدارة بايدن.

ومن سوء حظ ترامب في المناظرة، أن انقلب كذبه ضده، فعندما كرر مزاعم تم حول سرقة مهاجرين حيوانات أليفة عائدة لمواطنين أمريكيين في ولاية أوهايو من أجل أكلها، رد عليه المشرفون على المناظرة بالقول إن مسئولي المدينة لم يجدوا أي دليل موثوق على مثل هذه الجرائم، فأجاب أن “أشخاصا على التلفزيون” قالوا ذلك.
على مستوى الشرق الأوسط، لم تخرج هاريس عن المألوف وقت الانتخابات خاصة ما يتعلق بالشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، فجددت جددت التزامها بالدفاع عن إسرائيل وتفوقها النوعي والعسكري، ثم أرادت معادلة سياستها مع العرب فتحدثت عن عن حل الدولتين لاحتواء العرب والمسلمين.

ولم تأخذ السياسة الخارجية حيزا مهما من المناظرة رغم أن كلا منهما استغل الفرصة لمهاجمة الآخر بشأن الدبلوماسية وعرض رؤية مختلفة جذريا للعالم. وكان السبق لهاريس فهي التي هاجمت وصالت وجالت بعكس منافسها الذي ناله النصيب الأكبر من هجوم هاريس ووصفته بأنه “ضعيف ومخطئ” فيما يتعلق بالأمن القومي، وأثارت استياءه عندما قالت إنه “أضحوكة” لزعماء العالم. وحذرت من أن ترامب “سيسلم” أوكرانيا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين “الدكتاتور الذي سيكون لقمة سائغة له”.
لكن ترامب الصاع صاعين لهاريس في مقتل عندما اعتبر أن “إسرائيل ستزول” إذا ما أصبحت هاريس رئيسة للبلاد، وقال إنها “تكره إسرائيل، إذا أصبحت رئيسة، أعتقد أن إسرائيل لن تكون موجودة في غضون عامين“، وهو ما حقق نقطة سياسية له بالنسبة للصوت اليهودي المؤثر في الانتخابات، مما يجعل هاريس في موقف صعب وعليها الدفاع عن سياسة الحزب الديمقراطي أمام اليهود ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو الذي يقف في موقف خصومة حاليا مع البيت الأبيض الذي يضغط على تل أبيب من أجل التوصل إلى اتفاق وقف النار في غزة.

زر الذهاب إلى الأعلى