مقالات الرأى

مايسة السلكاوى تكتب: مسيرة التعليم فى مصر 2 / 3

0:00

طموح محمد على الزائد فى التوسع خارجيا إزعج العثمانيين ، فقد سيطر على كثير من البلاد الخاضعة تحت راية الخلافة العثمانية بل شملت سيطرته مناطق داخل تركيا نفسها ، مما أدى إلى تحالف الدولة العثمانية مع روسيا وأربعة دول أوروبية لكبح جماحة للحد من نفوذه وقوته ، فكانت معاهدة لندن 1840م و1841م ، مما تسبب فى تدهور الوضع الإقتصادى لمصر ومن تداعياته إغلاق معظم المدارس التى أنشئت فيما عدا الطب والهندسة مع إستمرار البعثات التعليمية والتى كانت نقطة تحول فى المجتمع المصرى ، فأصبح لمصر خبراء فى مختلف المجالات وحققت انفتاحها على الثقافات الغربية .
إستمر تدهور المدارس بل وانهيار سياسة التحديث التى بدأها محمد على ، خلال حكم حفيده عباس حلمى الأول لقناعته بأن قيادة شعب جاهل أيسر من شعب متعلم .
أما سنوات حكم سعيد باشا ، فشهدت تحول فى تاريخ المدارس الأجنبية خاصة الفرنسية فأنتشرت ومنها “مدرسة الفرير” الموجودة إلى الآن ، مع إستمرار تدهور التعليم الحكومى و الإبقاء على الكتاتيب والأزهر ولكن بالأسلوب التقليدى للتعليم دون أى تطوير أو دعم من الحكومة .
تولى الخديو إسماعيل حكم مصر ولم يكن بها سوى مدرسة إبتدائية وأخرى تجهيزية ثانوية والمدرسة البحرية بالأسكندرية وكلها فى حالة يرثى لها . فأسرع إسماعيل بإعادة تأهيلها و إنشاء مدرستى رأس التين بالأسكندرية والناصرية بمصر المحروسة 1864م ، كان يدرس بهما العربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية والجغرافيا والرسم والخط والحساب والقرآن الكريم وبدءا من الفرقة الرابعة تدرس التركية وتضم المدرستان قسما خارجيا وآخر داخليا .
وتوالى إنشاء المدارس خارج مصر القاهرة ، وبسبب التوسع فى الصناعة المصرية عقب إرتفاع أسعار القطن أنشئت مدرسة للفنون والصنائع و إلى جانب العلوم المعروفة شملت الدراسة بها كل صنعة وحرفة بمصر ، وحتى يتكمن الطلبة معرفة المصطلحات العلمية الخاصة بالفنون والصنائع تم إعداد قاموس فرنسى إنجليزى عربى .
إستعان الخديو إسماعيل ب ” على مبارك ” وكان زميلا له فى بعثة باريس لتنظيم العملية التعليمية على أسس سليمة وكان وقتها وزيرا للمعارف فطلب من الخديو نقل مقر الوزارة من العباسية إلى درب الجماميز فى سراى الأمير مصطفى فاضل حتى يتابع عن قرب سير التعليم ويكون قريبا من التلاميذ ، فكانت المدارس فى الساحة المحيطة بالسراى وهى عبارة عن عدة فصول وليست بالشكل الذى نعرفة الآن وبدأ فى تحويل كثير من الكتاتيب إلى مدارس إبتدائية نظامية . مستخدما جزء من أموال نظارة الأوقاف فى الإنفاق على التعليم ، وقرر على المقتدرين من آباء التلاميذ دفع مصروفات بسيطة وإعفاء غير القادرين مع استكمال باقى النفقات من الأوقاف الخيرية ، ومن جانبه خصص الخديو إسماعيل لهذه المدارس إيراد تفتيش الوادى بالشرقة ، كما منحها بعض الأملاك التى آلت لبيت المال من بعض التركات وذلك بالإضافة إلى الميزانية التى حددتها الحكومة .
وفى 1868م شكل الخديوى لجنة ترأسها على مبارك لوضع قانون أساسى للتعليم العام يشمل المدارس الإبتدائية والثانوية والفنية ، ضمت لائحته أربعين بندا تقوم على مبدأين أساسيين هما توجيد نظام التعليم فى جميع المدارس ، ومساواة المعاهد التى فى مستوى واحد فى جميع الأمور .
ولتلبية احتياجات المدارس الجديدة من المعلمين أنشئت مدرسة دار العلوم 1871م لتخريج أساتذة اللغة العربية والآداب للمدارس الإبتدائية ، و لتدريس الرياضيات والتاريخ والجغرافيا واللغات الأجنبية فيتم إختيارهم ممن أتموا دراستهم فى المدارس العليا مثل المهندسخانة والحقوق ، وتم إختيار طلاب دار العلوم ممن إجتازوا الإمتحان من الطلبة الأزهريين . ، وجعل التعليم بها مجانا مع صرف راتب شهرى للطلبة .
وفى عام 1876م تم إنشاء ثلاث مدارس صناعية يحول إليها تلاميذ المدارس الإبتدائية الذين لم يوفقوا فى الدراسة بدلا من تحويلهم إلى المدرسة الحربية ،واستمر التوسع فى إنشاء هذه المدارس وكانت المجانية أساس التعليم بها شاملة الكسوة والطعام .
كان لتعليم البنات نصيب من النهضة التعليمية التى شهدتها تلك الفترة وإن كان تعليم البنات لم يكن مقبولا إجتماعيا فى المجتمع المصرى ، إلا أن الأميرة “جشم آفث هانم” زوجة الخديو إسماعيل وبتشجيع منه أنشأت على نفقتها الخاصة أول مدرسة للبنات ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم الإسلامى كله عام 1873م فكانت المدرسة السيوفية المعروفة “بالمدرسة السنية”. وكانت الأميرة اشترت قصرا فى حى السيوفية تم إعداده ليكون مدرسة فكانت الدراسة بها مجانية لجميع المتقدمات ، وتم بناء ملحق لها لتستوعب 300 طالبة بالقسم الخارجى والداخلى . ثم أنشئت مدرستان عام 1878م وكانت مدة الدراسة خمس سنوات مثل مدارس أوروبا .
وقبل إنشاء المدرسة السنية كانت بمصر مدارس للبنات أسستها الإرساليات المسيحية والطوائف غير الإسلامية والجاليات الأجنبية ألتحقت بها قلة قليلة من بنات المسلمين ولعدم رضاء الرأى العام عن تلك المدارس فامتنع ذو النفوذ والحيثية عن إرسال بناتهم إليها .
نوع آخر من مدارس البنات عرف بمصر منذ 150 سنة وهو “مدرسة الخدمة المنزلية” بدأت الفكرة حين قرر الخديو إسماعيل إلغاء “الرق” نهائيا فلم تعد هناك جوارى تقمن بأعمال المنزل ، فرأى إسماعيل أن ينشئ مدرسة لهذا الغرض ، وبالفعل أنشأ مدرسة لتعليم بنات ريفيات فقيرات شئون الخدمة المنزلية بأنوعها وكانت هذه المدرسة على نفقة زوجته وتحت رعايتها ورعاية نظارة المعارف تديرها سيدة أوروبية تعاونها ثمان معلمات منهن معلمة أوروبية ، ولكن للأسف وبسبب الأزمة المالية التى لحقت بمصر وذهاب إسماعيل للمنفى ألغيت هذه المدرسة .
لم يقتصر التعليم فى عهد إسماعيل على المدارس الحكومية والأزهر فقط ولكن أفتتحت العديد من المدارس للأقباط الارثوذكس والطوائف المسيحية وأيضا لليهود بالإضافة للمدارس الأجنبية والإرساليات والراهبات للبنين والبنات .
كما أنشئت مدرسة المهنسخانة بسراى الزعفران وهى الآن مقر لإدارة جامعة عين شمس 1866م ثم نقلت إلى الجيزة .ومن أعظم المعاهد العلمية التى أسسها إسماعيل باشا مدرسة الحقوق وكانت تسمى فى بدايتها مدرسة الإدارة والألسن 1868م ثم أصبحت مدرسة الحقوق 1886م وكان لها الفضل فى نهضة القانون والتشريع والقضاء وتخرج منها أقطاب القانون فى مصر . ودار العلوم 1872م . وإتساع نطاق مدرسة الطب والولادة التى أنشأها كلوت بك فى عهد محمد على .
كما عاود إسماعيل إرسال البعثات الدراسية إلى أوروبا لدراسة الطب والهندسة والعلوم العسكرية . وفى عام 1869م أصدر البرلمان أول قانون للتعليم فى مصر ولائحة البرنامج العلمى للنهوض بالتعليم .
وللحديث بقية …

زر الذهاب إلى الأعلى