إميل أمين يكتب : هل عرف الفراعنة شعيرة الصوم ؟
كثيرة هي القراءات التي قدمت أفكارا تقدمية عن المصريين القدماء، وهو التعبير العلمي الأدق من مصطلح الفراعنة ، وعن علاقتهم بالروحانيات ، وتطلعهم للعالم الأخر .
وصل المصريون القدماء في زمن أخناتون ، إلى حدود الإعتراف بالإله الواحد ن وإن رأه في قرص الشمس ، تلك التي تشرق لتنير العالم وتبدد الظلام .
وقد عرف هولاء ولاشك شعائر الصوم ، بل إن هناك من علماء اللسانيات من يقطع بأن كلمة صوم في أصلها ، هي كلمة هيروغليفة ، تنطق “صاوم “، بمعنى”إمتنع عن “، وهي قريبة الشبه جدا من المعنى في اللغة العربي ، فيقال “صامت البكرة “، أي توقفت عن العمل ..
أعتاد المصريون القدماء الصوم في الأعياد المكرسة لنهر النيل ، الأله حابي ، في عقديتهم ، فقد كان بمثابة مانح الخيرات ، ولهذا وجب عليهم إكرامه والتقرب منه بتطهير النفس من الذنوب والأخطاء .
والمؤكد أن صوم المصريين القدماء ، قد عرف نوعين مختلفين ، واحد يخص العوام والبسطاء ، وأخر يختص به كبار الكهنة في المعابد الفرعونية المختلفة .
يهمنا بنوع خاص صوم المكرسين لخدمة الألهة المصرية القديمة في المعابد ، ومن المثير أن نجده يبدأ من عند شروق الشمس ، وينتهي مع غروبها ، وهو أمر يتسق وإيمانهم بأن الحياة تبدأ تدب في الأجساد ، مرة أخرى مع أول شعاع من الشمس ، بعد أن تكون قد فارقت الأبدان في الليل ،وقت النوم .
كانت هناك أصوام أسبوعية ، وأخرى سنوية ، وفي إجمالها لم تكن تتجاوز ال 70 يوما كل عام .
ويذكر المؤرخ اليوناني الشهير هيرودت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، أن :” المصريين هم أفضل الناس صحة ، ذلك لأنهم يقومون بتنقية أجسادهم من الطعام بالصوم ثلاثة أيام من كل شهر “، وقد كان في إعتقاده أن المعدة بيت الداء كما قال الأقدمون .
يتحدث المؤرخون عن الإغريق أو قدامى اليونان ، بأنهم تعلموا علومهم وأدابهم ، بل والكثير من شرائعهم الحياتية عن المصريين القدماء ، الأمر الذي يجعلنا نتساءل :” هل أخذ اليونانيون فريضة الصوم من المصريين ؟
نحن نعلم أن العديد من فلاسفة اليونان الكبار ،من جيل الأباء قد زار مصر ، ومنهم سولون المشرع والشاعر ورجل القانون ، وقد زار مصر في حدود العام 600 قبل الميلاد ، ونقل عن كبار كهنة المصريين ، أسرار حضارة أطلانطيس الغارقة قبل 9000 الأف سنة ، وهوسابق لأفلاطون بقرابة ثلاثة قرون وعنه نقل الكثير من القصص .
هنا يبدو أن الإغريق قد أخذوا عن المصريين الصوم ، ولكن لا بوصفه شعيرة ترضي الألهة ، بل من منطلق فلسفي ، وهو ما يشير إليه الباحث حمد بن على الصفيان في كتابه ” الريان في مفهوم الصيام بين الأديان : حقائق علمية ورؤى نفسية “.
كان مفهوم الصوم عند الإغريق القدماء مميزا ، لأنه وُجد في بيئة حاضنة يميزها الفكر الفلسفي ، بشكل أساسي ، ولذلك في الأدبيات الإغريقية كان كبار الفلاسفة اليونانيين صوامين ، وفي المقدمة منهم سقراط الذي عرف بإكثاره من الصوم ، بهدف الوصول إلى حالة متقدمة من الصفاء الذهني والنفسي ، ما يسمح له بالترقي في مسارات الروح والصعود في مساقات السموات العلى ، وبعيدا عن صراعات الجسد التي تشده إلى أسفل .
أما الحكيم والطبيب اليوناني الأشهر أبقراط ، والذي ولد في القرن الخامس قبل الميلاد ، وأعتبر من أشهر الشخصيات الطبية في التاريخ ، ويردد الخريجون من الأطباء المعاصرون قسمه الشهير ، فقد آمن بفلسفة الوقاية كبديل عن العلاج ، وفي مقدمة أدوات الوقاية ، التقليل من الطعام قدر المستطاع ، وصوم أكبر قدر ممكن من الأيام ، وكثيرا ما نصح مرضاه بالأ يلجأوا إلى الدواء المادي ، الإ في أخر مرحلة من مراحل التشافي .
كما تخبرنا سيرة حياة اليونانيين القدامى ، أنهم كانوا يصومون عشية الأحداث المهمة في حياتهم ،فعلى سبيل المثال ، كان كهنة المعابد ، يحتلفون ب” عيد الفطر لديهم “، بعد تخرجهم من المدارس العليا، تلك التي يتلقون فيها الأسرار الكبرى والصغرى ، في عشاء ديني ، أطلقوا عليه ذات الأسم الذي سيستخدم في المسيحية لأحقا ،” العشاء الرباني “، إحياء وتكريما لذكرى الإله ” رملتر “.
عطفا على ذلك ، فإن عامة اليونانيين ، من النخبة والعوام ، كانوا ينادون بالصوم غداة الحروب ، وما أكثرها ، لاسيما في أزمنة حروبهم مع اسبرطة التي ناصبتهم العداء ، ودخل كلاهما في حروب على من يتسنم قطبية العالم القديم في ذلك الوقت .
كان الصوم قبل الحروب بالنسبة لهم ، ضرب من ضروب التدريب اليومي على الصبر والجلد ، والتحمل عند المخاطر ، إضافة إلى التمهيد لتلقي النبؤات الغيبية .
كل عام وأنتم بألف خير .