ثقافة وابداع
محمَّد الماغوط .. أحد أعمدة الحداثة الشعريَّة العربيَّة
بقلم الكاتب المصرى - وفيق صفوت مختار
يعدّ «محمَّد الماغوط» أحد أهم روَّاد قصيدة النثر في الوطن العربي وأكثرهم جاذبية، فهو أعطى قصيدته بُعدًا مُتفرِّدًا في تفاعُّلها مع الشِّعر والنثر في أرقى صياغاته. وعالج في شعره المواقف الوطنيَّة والقوميَّة والإنسانيَّة برؤيةٍ شعريَّةٍ شمولية. يُعرف عن الشَّاعر بأنَّه شاعر الغضب والجرأة والتمرُّد، وتُعتبر تجربته الشعريَّة هي تجربة جيل بأسره، حيث أمضى عُمْره كُله يُبشر بالحُرِّيَّة ويدعو لها.
ولد «محمَّد أحمد عيسى الماغوط» في (12 ( ديسمبر عام) 1934م)، بمدينة «سلمية» شمال دمشق التابعة لمحافظة «حماة» وسط سورية. نشأ في عائلةٍ شديدة الفقر. ودرس في طفولته بـ «الكُتَّاب»، ثُمَّ انتقل لمتابعة دراسته الثانويَّة، فقصد ثانوية «خرابو» الزراعيَّة في «غوطة» دمشق، التي سرعان ما هرب منها قاصداً دمشق، ومنها عاد إلى مدينته.
انضم «الماغوط» إلي الحزب السوري القومي الاجتماعي دون أن يقرأ مبادئه، ولقد كان لاغتيال العقيد «عدنان المالكي» في (22) أبريل عام (1955م)، نقطة تحوُّل في حياته حيث اُتهِم الحزب السوري القومي الاجتماعي باغتياله، فلُوحق أعضاء الحزب، وتمَّ اعتقال الكثيرين منهم، وكان هو من بينهم، فتمَّ حبسه في سجن «المزة» بين عامي (1955م) و(1956م).
وخلف القضبان بدأت حياته الأدبيَّة الحقيقية، حيث تعرَّف أثناء سجنه على الشَّاعر «أدونيس» (علي أحمد سعيد إسبر، وهذا اسمه الحقيقي) الذي كان في الزنزانة المجاورة. وفي السجن كتب أوَّلى قصائده، بعنوان: «القتل»، على أساس أنَّها مُجرَّد مذكرات سجين، إلَّا أنَّ «أدونيس» قرأها وسماها شعرًا. وهكذا تعرَّف «الماغوط» على نفسه، وتعرَّف عليه العالم، على أنَّه شاعر، إنما من طراز خاصّ.
خلال فترة الوحدة بين سورية ومصر كان «الماغوط» مطلوبًا في دمشق، فقرَّر الهرب إلى «بيروت» في أواخر الخمسينيات من القرن المنصرم، وهناك انضمّ إلى جماعة مجلة «شعر» حيث تعرَّف على الشاعر «يوسف الخال» (1916ـ 1987م) الذي احتضنه في المجلة بعد أن قدَّمه «أدونيس» لمجموعة العمل بها.
في ستينيات القرن الماضي، أقبل «الماغوط» على العمل الصحافي، فنشر عدة مقالات ساخرة في مجلة «البناء»، وفي السبعينيَّات عمل في دمشق رئيسًا لتحرير مجلة «الشرطة» حيث نشر كثيرًا من المقالات النقدية. كما يعد أحد الكبار الذين ساهموا في تحديد هُوية وطبيعة جريدة «تشرين» السوريَّة في نشأتها وتطوُّرها في منتصف حقبة السبعينيَّات الفائتة، وكذلك الحال حين انتقل ليكتب «أليس في بلاد العجائب» في مجلة «المستقبل» الأسبوعيَّة، التي كانت تصدر في «باريس». وخلال الثمانينيَّات من القرن المنصرم سافر «الماغوط» إلى دولة الإمارات، وإلى إمارة الشارقة بالتحديد وعمل في جريدة «الخليج» وأسَّس مع الشاعر السوداني «يوسف عيدابي» القسم الثقافي في الجريدة، وعمل معه في القسم لاحقاً الكاتب السوري «نواف يونس».
توطدت العلاقة بين «الماغوط»، والشَّاعرة «سنية صالح» (1935ـ1985م) بعد قدومها إلى دمشق لإكمال دراستها الجامعية. وفي عام 1961م أودع السجن للمرَّة الثانية، فوقفت «سنية صالح» إلى جانبه، بعدها تزوَّجها عقب خروجه من السجن، وأنجب منها ابنتيه: «شام»، و«سلافة».
وقد رحل «الماغوط» عن دنيانا في صباح يوم الاثنين الموافق الثالث من شهر أبريل عام (2006م)، عن عُمْر يناهز(72) عامًا، بعد صراعه الطويل مع مرض السرطان.
ترك «الماغوط» بعد رحيلة عدة دواوين،هي: «حزن في ضوء القمر» (1959م)، «غرفة بملايين الجدران» (1960م)، « الفرح ليس مهنتي »(1970م)، « سياف الزهور» (2001م )، « شرق عدن غرب الله » (2005م). «البدوي الأحمر» (2006م). كما ترك عدة مسرحيات،هي: «ضيعة تشرين» التي أنتجت في عام (1974م)، «شقائق النعمان»، أُنتجت عام (1987م)، «غربة»، وقد تمَّ تمثيلها على المسرح عام (1976م)، «كأسك يا وطن»، التي مَثَّلَتْ على المسرح عام (1979م)، «خارج السرب»، التي صدرت ورقيًّا عام (1999م)، كما مَثَّلَتْ على المسارح السوريَّة، «العصفور الأحدب»، التي لم تمثل علي المسرح، وإنما طبعت في عدة دور نشر، «المُهرِّج»، والتي مَثَّلَتْ على المسرح أعوام (1960م)، و(1974م)، وطُبعت عام (1998م). أمَّا أعمال «الماغوط» السينمائيَّة فتمثلت في فيلمي: «الحدود»، الذي أَنْتَج عام (1984م)، وقام ببطولته وإخراجه الفنان «دريد لحام»، بمشاركة الفنانة «رغدة»، و«التقرير»، وقد أَنْتَج في عام (1987م) وقام بدور البطولة الفنان «دريد لحام» والفنانة «رغدة». ومن أشهر مسلسلاته التليفزيونيَّة:«حكايا اللَّيل»، و« وين الغلط».
كان «الماغوط» نسيجٌ فريدٌ من نواحٍ كثيرةٍ، فهو على المستوى الإيقاعي صاغ قصيدة النثر بإيقاعها الخاصّ التي وضعها في موازاة قصيدة التفعيلة، وكان لقدرته على بناء الإيقاع بما يتكامل مع لُغته وصوره الجريئة الجسورة كان أوَّل من أسَّس شعرية النثر في القصيدة العربيَّة، لتظل إنجازاته تؤكِّد على العبقريَّة الإبداعيَّة التي تثبِّت ريادته التي حوَّلت قصيدة النثر إلى وعيٍ طبيعيٍ في الخيال العربي، ذلك الخيال الذي طالما رفض الاعتراف بها.
و شاعريته المُتفرِّدة خلقت من مفردات بيئته المحلية لوحة شعريَّة بروحٍ مُتمرِّدةٍ وخيال ثوري ورؤى تنبؤية نقية، رافعًا سلاح الجوع وأنهار الدَّم والدموع بوجه الجرائم البشريَّة، مُعلنًا ثورته إلى كُلِّ العالم وكأنَّه نبي: أعرف أنَّ حدَّ الرَّغيف / سيغدو بصلابة الخنجر/ وأنَّ نهر الجائعين سوف يُهْدَر ذات يوم / بأشرعته الدَّامية / وفرائصه الغبراء/ فأنا نبي لا ينقصني إلاّ اللحية والعكاز والصحراء.. لقد كان لديه الأداء الشعري، تجربة متواصلة مع الذَّات والعالم، كشف لنا فيه أنَّه ذلك السهل الممتنع، وهو يعمد إلى الاشتغال على المفارقة في الصورة الشعريَّة وببساطةٍ متناهيةٍ: أيها المارة / اخلوا الشوارع من العذارى / والنساء المحجّبات.. / سأخرج من بيتي عاريًا / وأعود إلى غابتي.
هو شاعرٌ في كُلِّ نصوصّه، وفي كُلِّ تفاصيل حياته، يحتفظ بطفولةٍ يندر مثيلها، يُسافر كُلّ يوم إلى نفسه وذكرياته، فيُذلِّل أحزانه ومواجعه، ويستعيد صور أحبته وأصدقائه وعذابات عُمْره الحميمة.. ويداوي نفسه بالكتابة والمكاشفة فتولد قصائده ونصّوصه حاملة صورة «محمَّد الماغوط» وحريق روحه واكتشافاته التجريبيَّة في الحياة واللُّغة.. فهو مدهش في أسلوبه وموهبته.
كان رائيًا كبيرًا، لأنَّه كان شاعرًا صادقًا وحقيقيًا وشرسًا، وهذا ما نفهمه من شهادة الشَّاعر الكبير «نزار قباني» (1923ـ 1998م)، حين قال له: «أنت، يا محمَّد، أصدقنا.. أصدق شعراء جيلنا. حُلمي أن أكتب بالرؤى وبالنفس البريء، البعيد النظر الذي كنت تكتب به في الخمسينيَّات. كان حزنك وتشاؤمك أصيلين.. وكان تفاؤلنا وانبهارنا بالعالم خادعًا».
أمَّا شراسة لُغته وكلماته، فيصفها الروائي الفلسطيني «غسان كنفاني » (1936ـ 1972م)، بأنَّها: «كلماتٌ مسلحةٌ بالمخالب والأضراس. ومع ذلك، فإنَّها قادرة على تحقيق إيقاع عذب ومدهش، وأحيانًا مفاجئ. كأن يتحوَّل صليل السلاسل إلى عزف منفرد أمام عينيك ذاتهما في لحظةٍ واحدةٍ».
حاز جائزة «سلطان بن علي العويس» الثقافيَّة للشِّعر عام (2005م)، وجاء في قرار لجنة التحكيم: « تَمْنَح الجائزة إلى الشَّاعر محمَّد الماغوط الذي أسهم في الحداثة الشعريَّة العربيَّة، وفي تطوير قصيدة النثر الذي هو واحد من روَّادها الكبار، فقد كانت هذه القصيدة قبله مشروعًا غير واضح المعالم، إلى أن أعطاها بجهده شكلًا شعريًّا له أسئلة فكرية وفنيَّة خاصَّة به، لذا لا يمكن النظر اليَّوم إلى هذه القصيدة التي اكتسبت موقعًا واسعًا في المشرق العربي ومغربه دون التوقف أمام دور الماغوط الريادي».
ولد «محمَّد أحمد عيسى الماغوط» في (12 ( ديسمبر عام) 1934م)، بمدينة «سلمية» شمال دمشق التابعة لمحافظة «حماة» وسط سورية. نشأ في عائلةٍ شديدة الفقر. ودرس في طفولته بـ «الكُتَّاب»، ثُمَّ انتقل لمتابعة دراسته الثانويَّة، فقصد ثانوية «خرابو» الزراعيَّة في «غوطة» دمشق، التي سرعان ما هرب منها قاصداً دمشق، ومنها عاد إلى مدينته.
انضم «الماغوط» إلي الحزب السوري القومي الاجتماعي دون أن يقرأ مبادئه، ولقد كان لاغتيال العقيد «عدنان المالكي» في (22) أبريل عام (1955م)، نقطة تحوُّل في حياته حيث اُتهِم الحزب السوري القومي الاجتماعي باغتياله، فلُوحق أعضاء الحزب، وتمَّ اعتقال الكثيرين منهم، وكان هو من بينهم، فتمَّ حبسه في سجن «المزة» بين عامي (1955م) و(1956م).
وخلف القضبان بدأت حياته الأدبيَّة الحقيقية، حيث تعرَّف أثناء سجنه على الشَّاعر «أدونيس» (علي أحمد سعيد إسبر، وهذا اسمه الحقيقي) الذي كان في الزنزانة المجاورة. وفي السجن كتب أوَّلى قصائده، بعنوان: «القتل»، على أساس أنَّها مُجرَّد مذكرات سجين، إلَّا أنَّ «أدونيس» قرأها وسماها شعرًا. وهكذا تعرَّف «الماغوط» على نفسه، وتعرَّف عليه العالم، على أنَّه شاعر، إنما من طراز خاصّ.
خلال فترة الوحدة بين سورية ومصر كان «الماغوط» مطلوبًا في دمشق، فقرَّر الهرب إلى «بيروت» في أواخر الخمسينيات من القرن المنصرم، وهناك انضمّ إلى جماعة مجلة «شعر» حيث تعرَّف على الشاعر «يوسف الخال» (1916ـ 1987م) الذي احتضنه في المجلة بعد أن قدَّمه «أدونيس» لمجموعة العمل بها.
في ستينيات القرن الماضي، أقبل «الماغوط» على العمل الصحافي، فنشر عدة مقالات ساخرة في مجلة «البناء»، وفي السبعينيَّات عمل في دمشق رئيسًا لتحرير مجلة «الشرطة» حيث نشر كثيرًا من المقالات النقدية. كما يعد أحد الكبار الذين ساهموا في تحديد هُوية وطبيعة جريدة «تشرين» السوريَّة في نشأتها وتطوُّرها في منتصف حقبة السبعينيَّات الفائتة، وكذلك الحال حين انتقل ليكتب «أليس في بلاد العجائب» في مجلة «المستقبل» الأسبوعيَّة، التي كانت تصدر في «باريس». وخلال الثمانينيَّات من القرن المنصرم سافر «الماغوط» إلى دولة الإمارات، وإلى إمارة الشارقة بالتحديد وعمل في جريدة «الخليج» وأسَّس مع الشاعر السوداني «يوسف عيدابي» القسم الثقافي في الجريدة، وعمل معه في القسم لاحقاً الكاتب السوري «نواف يونس».
توطدت العلاقة بين «الماغوط»، والشَّاعرة «سنية صالح» (1935ـ1985م) بعد قدومها إلى دمشق لإكمال دراستها الجامعية. وفي عام 1961م أودع السجن للمرَّة الثانية، فوقفت «سنية صالح» إلى جانبه، بعدها تزوَّجها عقب خروجه من السجن، وأنجب منها ابنتيه: «شام»، و«سلافة».
وقد رحل «الماغوط» عن دنيانا في صباح يوم الاثنين الموافق الثالث من شهر أبريل عام (2006م)، عن عُمْر يناهز(72) عامًا، بعد صراعه الطويل مع مرض السرطان.
ترك «الماغوط» بعد رحيلة عدة دواوين،هي: «حزن في ضوء القمر» (1959م)، «غرفة بملايين الجدران» (1960م)، « الفرح ليس مهنتي »(1970م)، « سياف الزهور» (2001م )، « شرق عدن غرب الله » (2005م). «البدوي الأحمر» (2006م). كما ترك عدة مسرحيات،هي: «ضيعة تشرين» التي أنتجت في عام (1974م)، «شقائق النعمان»، أُنتجت عام (1987م)، «غربة»، وقد تمَّ تمثيلها على المسرح عام (1976م)، «كأسك يا وطن»، التي مَثَّلَتْ على المسرح عام (1979م)، «خارج السرب»، التي صدرت ورقيًّا عام (1999م)، كما مَثَّلَتْ على المسارح السوريَّة، «العصفور الأحدب»، التي لم تمثل علي المسرح، وإنما طبعت في عدة دور نشر، «المُهرِّج»، والتي مَثَّلَتْ على المسرح أعوام (1960م)، و(1974م)، وطُبعت عام (1998م). أمَّا أعمال «الماغوط» السينمائيَّة فتمثلت في فيلمي: «الحدود»، الذي أَنْتَج عام (1984م)، وقام ببطولته وإخراجه الفنان «دريد لحام»، بمشاركة الفنانة «رغدة»، و«التقرير»، وقد أَنْتَج في عام (1987م) وقام بدور البطولة الفنان «دريد لحام» والفنانة «رغدة». ومن أشهر مسلسلاته التليفزيونيَّة:«حكايا اللَّيل»، و« وين الغلط».
كان «الماغوط» نسيجٌ فريدٌ من نواحٍ كثيرةٍ، فهو على المستوى الإيقاعي صاغ قصيدة النثر بإيقاعها الخاصّ التي وضعها في موازاة قصيدة التفعيلة، وكان لقدرته على بناء الإيقاع بما يتكامل مع لُغته وصوره الجريئة الجسورة كان أوَّل من أسَّس شعرية النثر في القصيدة العربيَّة، لتظل إنجازاته تؤكِّد على العبقريَّة الإبداعيَّة التي تثبِّت ريادته التي حوَّلت قصيدة النثر إلى وعيٍ طبيعيٍ في الخيال العربي، ذلك الخيال الذي طالما رفض الاعتراف بها.
و شاعريته المُتفرِّدة خلقت من مفردات بيئته المحلية لوحة شعريَّة بروحٍ مُتمرِّدةٍ وخيال ثوري ورؤى تنبؤية نقية، رافعًا سلاح الجوع وأنهار الدَّم والدموع بوجه الجرائم البشريَّة، مُعلنًا ثورته إلى كُلِّ العالم وكأنَّه نبي: أعرف أنَّ حدَّ الرَّغيف / سيغدو بصلابة الخنجر/ وأنَّ نهر الجائعين سوف يُهْدَر ذات يوم / بأشرعته الدَّامية / وفرائصه الغبراء/ فأنا نبي لا ينقصني إلاّ اللحية والعكاز والصحراء.. لقد كان لديه الأداء الشعري، تجربة متواصلة مع الذَّات والعالم، كشف لنا فيه أنَّه ذلك السهل الممتنع، وهو يعمد إلى الاشتغال على المفارقة في الصورة الشعريَّة وببساطةٍ متناهيةٍ: أيها المارة / اخلوا الشوارع من العذارى / والنساء المحجّبات.. / سأخرج من بيتي عاريًا / وأعود إلى غابتي.
هو شاعرٌ في كُلِّ نصوصّه، وفي كُلِّ تفاصيل حياته، يحتفظ بطفولةٍ يندر مثيلها، يُسافر كُلّ يوم إلى نفسه وذكرياته، فيُذلِّل أحزانه ومواجعه، ويستعيد صور أحبته وأصدقائه وعذابات عُمْره الحميمة.. ويداوي نفسه بالكتابة والمكاشفة فتولد قصائده ونصّوصه حاملة صورة «محمَّد الماغوط» وحريق روحه واكتشافاته التجريبيَّة في الحياة واللُّغة.. فهو مدهش في أسلوبه وموهبته.
كان رائيًا كبيرًا، لأنَّه كان شاعرًا صادقًا وحقيقيًا وشرسًا، وهذا ما نفهمه من شهادة الشَّاعر الكبير «نزار قباني» (1923ـ 1998م)، حين قال له: «أنت، يا محمَّد، أصدقنا.. أصدق شعراء جيلنا. حُلمي أن أكتب بالرؤى وبالنفس البريء، البعيد النظر الذي كنت تكتب به في الخمسينيَّات. كان حزنك وتشاؤمك أصيلين.. وكان تفاؤلنا وانبهارنا بالعالم خادعًا».
أمَّا شراسة لُغته وكلماته، فيصفها الروائي الفلسطيني «غسان كنفاني » (1936ـ 1972م)، بأنَّها: «كلماتٌ مسلحةٌ بالمخالب والأضراس. ومع ذلك، فإنَّها قادرة على تحقيق إيقاع عذب ومدهش، وأحيانًا مفاجئ. كأن يتحوَّل صليل السلاسل إلى عزف منفرد أمام عينيك ذاتهما في لحظةٍ واحدةٍ».
حاز جائزة «سلطان بن علي العويس» الثقافيَّة للشِّعر عام (2005م)، وجاء في قرار لجنة التحكيم: « تَمْنَح الجائزة إلى الشَّاعر محمَّد الماغوط الذي أسهم في الحداثة الشعريَّة العربيَّة، وفي تطوير قصيدة النثر الذي هو واحد من روَّادها الكبار، فقد كانت هذه القصيدة قبله مشروعًا غير واضح المعالم، إلى أن أعطاها بجهده شكلًا شعريًّا له أسئلة فكرية وفنيَّة خاصَّة به، لذا لا يمكن النظر اليَّوم إلى هذه القصيدة التي اكتسبت موقعًا واسعًا في المشرق العربي ومغربه دون التوقف أمام دور الماغوط الريادي».