
وﺇن أفاد الباحثين أن أدب الخيال العلمي ترسخ بمصر وشاع في العالم العربي خلال السبعينيات من القرن الماضي.
لم تكن رحلة “نهاد” هينة وسهلة حتى نشر أول رواية ثم أول مجموعة قصصية، بعد أن شارف على الأربعين من عمره.. وفي تلك المعلومة دلالة ﺇصرار “نهاد” على تأكيد ما يطمح ﺇليه، وشيوع أدب الخيال العلمي، بالرغم من تلك الموانع بعدم قبول أعماله للنشر.. وقد بلغ به الأمر أن رفض طباعة أية رواية أو مجموعة قصصية ضمن النمط الشائع أدبيا، ليبقى كل ما نشره حتى نهاية رحلة الحياة ضمن الخيال العلمي.
لعل ما يلفت القاريء عند قراءة أول مجموعة قصصية له “رقم 4 يأمركم”، يلحظ أنه كتب نمط ما قدمه للطباعة مسمى (قصص علمية) ولم يكتب خيال علمي، وكأنه يقرب المسافة بينه ومن القاريء، بينما كان هو نفسه من تبنى مصطلح (أدب الخيال العلمي) وروج له في المنتديات والبحوث والكتابات المختلفة، وفي البرامج اﻹذاعية فيما بعد.
وليس أدعى لأن يلقب “نهاد الشريف” بالرائد أهم من تلك الموضوعات التي رصدها وكتب عنها، في بيئات مختلفة ومتنوعة، وغالبا جديدة غير مطروحة في الكتابات الأخرى في زمنه.. مثل الفضاء والصراع بين أرجائه.. وفي المراكب الفضاية أو الصواريخ فائقة السرعة.. بل وتلك الكواكب البعيدة الغامضة.. فضلا عن السفر عبر ماضي الزمان.. وعبر الغريب داخل جسم البشر، وهكذا.
ليس بعيدا عن الفكرة كون الرواد (بصفة عامة) فضلا عن العلم والمعرفة يتسمون بالنظرة الشمولية التي ترعى اﻹنسان على كل أحواله لكونه ﺇنسانا.. وهو ما يشير الى نضج نهاد الشريف ورياديته، نضج وسعة أفق الكاتب؛ كتب في قضايا السلام والمحبة وأسرار الصراع على الأرض وفي الفضاء الخارجي، كما تناول الرؤى المستقبلية مع بيان بعدها الفكري والفلسفي.
كما تتسم Hعماله بوفرة المعلومات العلمية التي يجب أن توافر لكاتب أدب الخيال العلمي، بل جوهر هذا النمط من الكتابة، فلابد وأن يعتمد النص على حقيقة علمية ما ومنها ينطلق خيال الكاتب لرؤية مستقبلية يراها أو يتمناها.
وrقد طالت ريادته مجالات مختلفة غير الكتاب والكتابة.. ففي وسائل الإعلام يعتبر الفيلم السينمائي المأخوذ عن رواية نهاد شريف “قاهر الزمن” والمسمى بالاسم ذاته أول فيلم عربي من الخيال العلمي عرفته السينما المصرية، ويعتبر المخرج كمال الشيخ مقداما وشجاعا ان تناول هه الرواية وأخرجها فيلما سينمايا لاول مرة فى تاريخ السينما (1987م)..
وفي مجال التليفزيون نالت سهرة درامية رواجا كبيرا عن قصة له بعنوان “نهر السعادة ” عام 1981م من إعداد فؤاد عبد الجليل وإخراج أحمد صلاح الدين, كلك الفيلم التليفزيوني “الماسات الخضراء” عن قصة بالاسم نفسه، من إعداد ممدوح فهمي وإخراج يس إسماعيل يس عام 1997م.. وكذلك انتاج جديد عن روايته “الشيء”. ويعد تعامل السينما والتليفزيون مع أعمال نهاد شريف مقدمة جاء ما بعده وكان فيها نها د شريف رائدا.
وتوالت الكتابات والأجيال التي ﺇهتمت بأدب الخيال العلمى: سعد مكاوي فى مسرحيته “الميت الحي” (1973م) وقصتين ضمن مجموعته “الفجر يزور الحديقة” (1975م)/ محمد الحديدي قدم روايته “شخص آخر في المرآة” (1975م)/ رؤوف وصفي بمجموعته القصصية “غزاة من الفضاء” (1979م)، وبعدها ثلاث مجاميع قصص للكبار وواحدة للصغار.
وفي الثمانينيات والتسعينيات: إبراهيم أسعد محمد مجموعته “قصص أخرى” (1980م)- وحسين قدري رواية “هروب إلى الفضاء” (1981م)- وأحمد سويلم ديوانَيْه الشعريَّيْن “السفر والأوسمة” (1983م) و”شظايا” (1994م)- صبري موسى رواية “السيد من حقل السبانخ” (1986م)- صلاح معاطي ومجموعة قصص “أنقذوا هذا الكوكب” (1986م) و”العمر خمس دقائق” (1992م).. وتوالت الاعمال، “عمر كامل” في رواية “ثقب في قاع النهر”(1987م)، ود. علي حسن وروايته “السرطان وابتسامة سليمان” (1987م) . وإيهاب الأزهري وروايته “الكوكب الملعون” (1987م)، وعادل غنيم وروايته “نادي من عظام فتاة” (1989م)، ومهندس صلاح عبد الغنى وروايته “شجرة العائلة الأفقية” (1990م)، وأميمة خفاجي وروايتها “جريمة عالم” (1992م)، والسيد القماحي في قصته “الميكروصوت” عام (1993م).. وغيرهم.
وقد راج أدب الخيال العلمى وانتشر، وشاركت القرائح العربية فى انتاج المزيد منه فى مجمل الاقطار العربية.. ( سوريا- طالب عمران الذي رسخ وأضاف بأكثر من 70 نصا روائيا خلال فترة السبعينيات والثمانيات من القرن الماضى وما بعدها)-( المغرب – “محمد عزيز الحبابي ” وروايته ” الإكسير ” في عام 1974/ و”محمد عبد السلام البقالي” وروايته ” الفيضان الأزرق”
وسرعان ما شاع أدب الخيال العلمى فى الوطن العربى: ( ” تيبا أحمد الإبراهيم”/ الكويت, و ” أشرف فقيه “/ السعودية , و” موسى ولد ابنو “/ موريتانيا, و” سليمان محمد الخليل “/ الأردن..
وغيرهم. كما راج هذا اللون الادبى فى الكويت على يد الأديبة الكويتية ” طيبة احمد إبرهيم ” بعدة روايات حتى نالت لقب ” رائدة ادب الخيال العلمي في الخليج”.
من الملاحظ أن جاء نهاد شريف كحلقة وسطى بين أجيال الكتاب في هذا النمط اﻹبداعي الجديد، كما جاء بفي الفترة التي ترسخت فيها مفاهيم ومططلحات علمية بعد شيوع اجهزة الراديو والتليفزيون ورواج اﻹنتاج العلمي التطبيقي، فكان من الطبيعي ان يتقبل البعض ادب الخيال العلمي بعد رفضه.
ولنا أن نتعرف على بعض آرائه الاصطلاحية وليس ابداعه فقط، يقول أن تقسيمات أدب الخيال العلمي الأساسية هي نوعية: “الخيال العلمي المنضبط” و”الخيال العلمي الجامح أو الفنتازي”، وإذ يتحرر النوع الثاني من قيود العلم وينزع إلى الرؤى الصادمة والبالغة الغرابة والنأي عن الواقع والمنطق، فإن “الخيال العلمي المنضبط” غالبًا ما يلتزم برؤى العلم ويتبع منهجه ومساراته، فقط هو يستكمل الأحداث المنتظر حدوثها في الزمن القادم (والتي لم تتحقق بعد) عن طريق ما لدى كاتبه من قدرة عالية على تخيل صور الأشياء المقبلة في المستقبل بكيفية مدروسة. وقد أفاد بالتزامه بالشكل المنضبط من أدب الخيال العلمي.
*موجز لبعض رواياته المبكرة*
(في مجال الرواية كتب “قاهر الزمن” و”سكان العالم الثاني” و”الشيء” موضوعاتها تنبؤ مستقبلي، حيث إمكانية تجميد الكائنات الحية والإنسان لأزمنة وإلى أن تعاد لسابق حالها قبل التجميد- ثم رواية سكان العالم الثاني: فتتحدث عن مجموعة من العلماء الشبان أصروا على تسخير الفكر والبحث العلمي من أجل الإنسان لا ضده- أما رواية “الشيء” تناقش فكرة مستقبلية من نوع مختلف تتعلق بالفضاء والكون وما يوجد من كائنات عاقلة غيرنا..)
ليس أمامنا الآن ﺇلا أن نقول بريادة نهاد شريف فى مجال أدب الخيال العلمي.