ثقافة وابداع

قصة قصيرة | جزء

بقلم : ناصر كمال

لم ير الصغير غير ذلك الجزء من فسحة الطريق لكى يغريه للوقوف بجانبه, حيث كانت الأمطار قد صنعت من التراب المنتشر بقعة واسعة من الطين الطرى, فلم ينتبه لنداء المرأة التى كانت واقفة بالشرفة حيث المنزل المجاور .. تحثه على القدوم للعشاء .. يخبرها بصوته الطفولى الواهن – ليس الآن يا أماه انشغلت يداه فى صنع كرات طينية.. كان الطريق منيرا بتلك الأعمدة التى تنتهى بمصباح صغير..يذكر الصغير يوم تركيب هذه الأعمدة الكهربية ..خرجت يومها القرية نساءا ورجالا وأطفالا, لتستقبل العربات التى تقلها..أخذ الجميع يتحدث عن الحديد الذى يضئ وقدوم زمن الحواديت والعجائب.. يتذكر الصغير ذلك جيدا وكيف كان العمال يعملون على تلك الأسلاك السحرية دون أن تصيبهم بصاعقة لكن ذلك لم يكن يعنيه..كان سعيدا فقط بأن ليلهم المظلم سوف يتحول نهارا مضيئا بفعل تلك المصابيح المعلقة, وأنه الآن لديه فرصة لكي يظل قابعا في الشارع طوال الليل وحتي يحين موعد النوم..هذا معناه وقت إضافي من المتعة والخيال..كانت الكرات الطينية مرنة يصنع منها كيفما شاء ..جملا ..حصانا أو عروسة بلون قد ألفه كثيرا..يراه عند عودة أبيه يلطخ سرواله الأبيض كما تلطخ النساء ملابسهن إذا مات لهن قريب..قد استقر على شكل معين ..فارس يركب حصانه ..هاهو يشكله, ويتقنه جيدا, ثم يلوح به فى الهواء فى حركات سريعة كأنه فى سباق ما .. يتمنى أن يقتنى حصانا.. يتذكر أن ذلك حكرا على ذلك الولد اللعين ” مرزوق” ..سليل أكبر علائلات القرية التى يتسمى كل شئ باسمها ..بداية من مدرسة القرية حتى أهم حواريها, فهو يراه يمتطى حصانه ساعة المساء يتجول به بين الغيطان خلف أبناء عائلته حيث تمتد المسافات الخضراء على مرمى الناظر إليها..لا يعلم الصغير لماذا يخرج “مرزوق” له لسانه كلما يراه؟ ثم يضحك لتظهر اسنانه المتأّكلة بفعل الشيكولاته ..يقرر أن يسبقه بحصانه الطينى ..يمسك به ويهرول صائحا..لقد أسرع بحصانه متخطيا حدود الطريق وهاهو حصان “مرزوق” متخلفا وراءه بأمتار كثيرة ..ينظر فيجد الدموع تبلل وجهه السمين فينتشى ..لايكاد يتذوق حلاوة النصر حتى تطل المرأة من جديد فيدلف الصغير من الباب الذى يقبع بجواره بقعة واسعة من جراء الأمطار وحصان طينى مهشم. ناصر كمال

زر الذهاب إلى الأعلى