شهد قصر ثقافة بنى سويف، استمرار فعاليات المؤتمر الأدبي الرابع والعشرين لإقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد تحت عنوان “الشعر والهوية”، دورة الشاعر الراحل فؤاد قاعود، والمقام برعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، وتنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، ويترأسه دكتور أحمد سليمان، ويتولى أمانته الشاعر مجدى صالح محمد.
المؤتمر يقام بإشراف إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافي، برئاسة لاميس الشرنوبي، وفرع ثقافة بني سويف، بالتعاون مع الإدارة المركزية للشئون الثقافية برئاسة الشاعر د.مسعود شومان، والإدارة العامة للثقافة العامة، وتستمر فعالياته حتى غدا السبت.
الشعر وسؤال الهوية
أقيمت الجلسة البحثية الأولي بعنوان “الشعر وسؤال الهوية” أداراها السيد حسن، حيث تضمنت دراستين ألقتا الضوء على جوانب مختلفة من علاقة الشعر العربي بالهوية والنقد الحديث.
جاء البحث الأول بعنوان “النقد العربي المعاصر وإشكالية الهوية” قدمها سامي سليمان أحمد، أستاذ الأدب والنقد الحديث بقسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة القاهرة، تناولت الدراسة قضية العلاقة بين النقد العربي المعاصر والنقد الأوروبي، مع التركيز على الوضعية التاريخية التي جعلت النقد العربي في حالة تفاعل دائم مع الغرب.
وأبرز الباحث دور الناقد العربي شكري عياد كمثال يجسد التوازن بين الحفاظ على الهوية الثقافية والانفتاح على الفكر النقدي الحديث، و استعرضت الدراسة منهج عياد في النقد الأسلوبي الذي يمزج بين البلاغة العربية الموروثة والمناهج النقدية الحديثة، مثل التحليل النفسي وعلم الأسلوب، كما أكد أن مشروع عياد يمثل نموذجًا لتطوير هوية نقدية عربية متوازنة، مشددًا على دور النقد في تحرير الوعي الإنساني وتعزيز القدرة على التغيير.
وفي البحث الثانى بعنوان “أنماط الغموض في دراسة الشعر الحر” للباحث أ.د. علاء الجابري، أستاذ الأدب والنقد الحديث بقسم اللغة العربية في جامعة قناة السويس، ركزت الدراسة على “الغموض” في الشعر الحر كظاهرة جمالية نسبية ترتبط بالتلقي والتأويل، وأوضح الباحث أن الغموض لم يكن غائبا عن الشعر العربي منذ نشأته، ولكنه تطور ليصبح عنصرا جوهريا في الشعر الحر، معبرا عن حرية التعبير والتجريب.
كما ناقش الباحث الغموض كقيمة جمالية تعكس تعقيد النصوص وتعدد تأويلاتها، مما يعزز من التفاعل بين النصوص والقارئ. وأكدت أن الغموض ليس عيبا في الشعر الحر، بل هو ظاهرة تثري النصوص وتفتح آفاقا جديدة للتأمل والتفسير.
واختتمت الجلسة بالتأكيد على أهمية البحث في قضايا الهوية والغموض في الشعر العربي، كونهما عنصرين أساسيين لفهم تطور النصوص الشعرية وتفاعلها مع الثقافة العربية والحداثة النقدية.
تمثلات الهویة في الخطاب الشعري الفصیح
جاءت الجلسة البحثية الثانية بعنوان “تمثلات الهوية في الخطاب الشعري الفصيح” وأداراها أ.د. منير فوزي، وتضمنت ثلاثة أبحاث، وشارك فيها نخبة من الباحثين الذين قدموا دراسات متعمقة تناولت قضية الهوية بوصفها موضوعًا رئيسا في الخطاب الشعري العربي المعاصر، محللين نماذج شعرية متنوعة تعكس التداخل بين الانتماء والاغتراب.
وجاء البحث الأول بعنوان “تمثلات الهوية بين الانتماء والاغتراب في الخطاب الشعري المعاصر.. ديوان سيعود من بلد بعيد لمحمد الشحات نموذجا” قدمها الباحث أ.د. أحمد محمد فؤاد، أستاذ الأدب والنقد الحديث بجامعة عين شمس، وناقش سؤال الهوية كقضية وجودية بارزة في الخطاب الشعري الحديث، مركزا على ديوان الشحات الذي يمثل نموذجا لتجليات الصراع بين مشاعر الانتماء للوطن وألم الاغتراب.
كما استعرض الباحث مظاهر هذا الصراع عبر عدة محاور: الانتماء للوطن: وتناولت النصوص مشاعر الحنين والاعتزاز بالوطن، كما في قصيدة “من يومياتي في مدينة أمريكية”، التي عبرت عن الوطن كجذور لا تنفصل عن الإنسان، الاغتراب كتشظ نفسي: وصفت الدراسة الغربة كقوة تستنزف هوية الفرد وتولد صراعات داخلية، كما في قصيدة “هل أكلتك الغربة؟”، والحنين والحلم بالعودة: أكدت النصوص الحلم الدائم بالعودة إلى الوطن، معبرة عن ارتباط الهوية بالوطن الأم، كما يظهر في عنوان الديوان ذاته “سيعود من بلد بعيد”.
واختتم الباحث بالإشارة إلى أن الديوان يعكس تمثيلات شعرية متعددة لقضية الهوية، جامعا بين الحنين للوطن وتأملات فلسفية عميقة حول الانتماء والاغتراب.
وفى البحث الثاني بعنوان “تمثلات الهوية في الخطاب الشعري المعاصر: التشكيل والرؤية.. حافظ المغربي نموذجا” قدمه الدكتور محمد صالح زيد، متناولا تمثلات الهوية في ظل التحولات الفكرية والثقافية التي شهدها الشعر العربي الحديث، مشيرا إلى تجاوز الأشكال التقليدية نحو أشكال أكثر عمقًا في التعبير عن الأزمات الإنسانية.
وأكد الباحث أن الخطاب الشعري الحداثي وما بعد الحداثي يتميز بأساليب مبتكرة، مثل التشظي الإبداعي والمتاهة الشعرية، التي تعبر عن الاغتراب النفسي وفقدان اليقين في القيم السائدة، كما استعرض تجربة حافظ المغربي كنموذج لهذه الظاهرة، موضحًا كيف تعكس نصوصه أزمة الهوية الفردية والجماعية.
وخلصت الدراسة إلى أن الشعر الحداثي يعيد تشكيل الهوية بوصفها تجربة متغيرة ومفتوحة، متجاوزا حدود الأنماط التقليدية للقصيدة العربية.
وجاء البحث الثالث بعنوان “سؤال الهوية: قراءة في ديوان مثل نهر يئن فيه الماء للشاعر عمارة إبراهيم” للباحث دكتور حسام جايل، أستاذ العلوم اللغوية المساعد بكلية الألسن، جامعة الأقصر، وأوضح أن الهوية تشكل المحرك الأساسي للإبداع الشعري، وتتنوع بين الذاتية والإنسانية والقومية، وتناول البحث ديوان “إبراهيم” بوصفه نموذجا يعكس أزمة الهوية من خلال لغة شعرية رمزية ومكثفة.
وركزت البحث على تحليل العنوان “مثل نهر يئن فيه الماء”، الذي يبرز الصراع الداخلي بين الانتماء والاغتراب، واستخدم الباحث أدوات تحليلية لاستكشاف بنية النصوص ودلالاتها الرمزية.
وأكد “جايل” أن الشاعر يعبر عن رحلة البحث عن الذات وهويتها، موظفًا صورًا شعرية تجمع بين التكثيف الفني والبعد الإنساني العميق.
تمثلات الهوية في الشعر العامي
وفى الجلسة البحثية الثالثة بعنوان “تمثلات الهوية في الشعر العامي” أدارها الدكتور منير فوزي، تضمنت بحثا بعنوان “الأدب العامة وهوية النوع الأدبى” قدمها الباحث الأستاذ الدكتور خالد أبو الليل، أستاذ الأدب الشعبي بكلية الآداب جامعة القاهرة، وتناول إشكالية الأدب العامي باعتباره منطقة جدلية في الأدب العربي، وأوضح أن الآراء حول هوية الأدب العامي تتباين بين من يراه أدبا شعبيا بسبب لغته العامية، ومن يعده امتدادا للأدب الرسمي لما يتمتع به من خصائص فنية، بينما يذهب فريق ثالث إلى اعتباره أدبا مستقلا يجمع بين سمات الأدبين الرسمي والشعبي، مما أضفى على الأدب العامي هوية ملتبسة يصعب تصنيفها ضمن إطار محدد.
وتضمن البحث تعريف الأدب العامي وتحديد خصائصه الفنية واللغوية، متناولا التصورات الخاطئة التي تحصر الأدب العربي في النصوص المكتوبة بالفصحى، وتتجاهل الأدب العامي باعتباره أدبًا أقل قيمة.
كما ركز “أبو الليل” على دراسة نصوص شعرية لاثنين من أعلام الشعر العامي: بيرم التونسي وصلاح جاهين، بهدف الكشف عن الهوية الفنية لهذا النوع الأدبي ودوره في التعبير عن قضايا المجتمع.
واختتم الباحث بالتأكيد على أن الأدب العامي يمثل نافذة تطل على واقع المجتمع وتناقضاته، مشيرا إلى ضرورة النظر إليه كنوع أدبي متفرد يحمل في طياته هوية فنية وثقافية غنية تستحق المزيد من الدراسة والتحليل.