فنون وابداع

الخروج !

حياة يحيى

عادت لمنزلها، و كان أول مافعلته هو دخول الحمام وإغلاق الباب بالقفل، لتفتح باباً للبكاء المسجون فى داخلها، نزفت كل دموعها حتى آخر قطرة في روحها، شعرت بالهدوء، غسلت وجهها ووضعت قطرة ملطفة للعين لإخفاء إحمرار عينيها التى أذبلها البكاء، وضعت الكثير من مساحيق التجميل و حاولت أن تتنفس، إبتلعت آلامها وخرجت لأطفالها بوجهٍ سعيد مبتسم، إحتضنتهم بشدة كأنها كانت تخرج لهم عصارة قلبها وحبها وحنانها، ودت لو تعيدهم داخل رحمها .

و في المساء، كانت تتجرد من جميع مشاعرها ، تتعرى من كبريائها ، و تخفى وجهها عن المرآه ، وتذهب لتقديم جثمانها كقربان له، ليغرس فيه مخالب حقده وغروره وضعفه كما يشاء دونما إعتراض منها او مقاومة ، لم تعد تتألم، فقدت شعورها بالكامل، غاب حضورها، أسلمت له جميع حصونها و إستسلمت.
كانت تذهب لعوالم أخرى في الفضاء البعيد حتى ينتهى من جميع طقوسه الوثنية على جسدها المقتول، في كل يوم كان يرفع رايات إنتصاره فوق قطعة من روحها، كل يوم كان يضم لحيازته أرض جديدة من عمرها يمد عليها جيوش احتلاله ،
حتى أتى صباح ذاك اليوم ، استيقظت على بكاء أطفالها مذعورين، كانت الكدمات تملأ وجهها ورائحة جسده تعبأ المكان وتفوح منها، شعرت بالإشمئزاز والخوف، نظرت في عيون أطفالها المشفقة عليها، والمتوسلة لها ألا تتأذى ثانية، عيون كان يملؤها الخوف من أن تموت أمهم .

نظراتهم أحيت فيها كل مشاعر الألم ومواطن الإحساس والكرامة ، كأنهم أعادوها للحياة، إحتضنتهم، طمأنتهم بإبتسامة وذهبت تغسل كل أوجاعها ، و تزيل رائحته من كامل جسدها، كانت تفرك جسدها بفرشاة الاستحمام و كأنها تريد أن تنسلخ من جلدها الذى دنسه لسنوات طويلة، خرجت و مشطت شعرها، وضعت عطرها المفضل الذى يكرهه !
إرتدت ثوبها الذى لم يعجبه ، و إنتعلت حذائها ذى الكعب العالى الذى منعها من إرتداءه ، جلست بهدوء المنتصر أمامه ، بكامل قوتها نظرت في عينيه و تفوهت بها أخيراً ! طلقنى .
نظر لها ساخراً مستنكراً أن تكون جادة في طلبها، فكم أوهمها أنها دونه عاجزة لاتعرف حتى كيف تدير مفتاح باب المنزل لتخرج .
كررت طلبها بصوت أعلى و بنظرات متحدية شرسة كررتها، طلقنى حالاً !
_ لماذا ؟ كل شئ بيننا على مايرام نحن بخير ، أنت لم تشتكى يوماً، دائما ماكنت تتحملين ماذا حدث ؟

_نعم كنت أتحمل لأنى كنت أراك رجلاً، لكنك لم تعد رجلاً في عينى بعد الآن ، لقد سقطت من نظرى، أنا أكره وجودك ، رائحتك، صوتك، عطرك ، رائحة سجائرك !

_لكنى أحبك، بل أنا أعشقك،
و انحنى ليقبل قدميها!
انتفضت مشمئزة، لن تلمس حتى قدمي، تلك اليد التى طالما أوجعت جسدى لن اسمح لها أن تعود لتلمسنى، وتوقف عن إذلال نفسك فكل ماتفعله يزيد كراهيتي لك .

فى داخله كان يستميت محاولاً، لكن جمودها وبرودة مشاعرها كبلته، أخرست لسانه، و شلت تفكيره، رأها كأنها جبل من جليد، صخرة عملاقة تكسرت أمامها قوته المصطنعة و رجولتة الكاذبة .

_ حسناً أنتِ طالق !
_ ياااااه أخيرا !

تنفست الصعداء، هدأ نبضها،
تهللت أسراريرها، سارت رافعة رأسها بإبتسامة تملوء وجهها، ودموع الفرح والوجع في عينيها، حملت أطفالها، فتحت الباب وخرجت للحياة .

ح يــــــــاة

زر الذهاب إلى الأعلى