ثقافة وابداع

حياة يحيى تكتب : الظل

عن ظل رجل يجلس في ركن الزمن، على طاولته العتيقة يتناول لقيمات من رغيف خبز ممل المذاق مثل رتابة ساعات نهاره ، تتحرك يده فى ميكانيكية إلى فمه بلا معنى، ينظر للفراغ بعينين خاويتين إلا من ذكريات وحشية تنهش وجه الليل ، وترهق نبضات قلبه المتسارعة كدقات الحزن، كوجه حبيباته اليتيمات، و كيتمه من بعدهن.
راح يلملم فتات الخبز ويسير في بطئ من لاينتظر شيئاً ، و لا ينتظره شئ، يجلس على مقعدة المعتاد وجهاً لوجه أمام ظله، يشعل له سيجارة كان قد منعه منها الطبيب ،
إبتسم لها في إستسلام ، نفث دخانه في الفراغ، بادله ظله الإبتسامة بابتسامة ثم تعالت الضحكات . سقطت دمعة، تساقط رماد سيجارته ، نظر من النافذة و راح يصفر لحنه المحبب ، تناول قلمه الرصاص و راح يرسم عيون كبيرة، فم، أنف، خصلة شعر ،خط تحتها قصيدة عن آخر حبيباته، وعن القبلة الأولى، العناق الأخير ، اللقاء الذى لم يأت، وكلمات لم تقال .
ترك قلمه، تأبط ذراع ظله و ببطئ سار معه حتى السرير، تناول بيده عدة أقراص ملونة من أدوية مختلفة كان قد وصفها الطبيب ومنها دواء منوم، ألقى بها جميعها من النافذة.
ذلك الطبيب الأحمق قد سرق منى الأحلام وحتى الكوابيس بفعل أدويته المهدئة والمسكنة، أريد أن أحلم ولو لمرة واحدة .
في الكرسى المقابل للسرير جلس ظله ينظر له مندهشاً
– أمجنون أنت!
أتتحمل كل تلك الآلام القاتلة مقابل ليلة حلم !
– وأبيع عمرى كله مقابل حلم ! إبتسم لظله، عانق ألام جسده ، وغط فى نوم عميق .

ح يــــــــاة

زر الذهاب إلى الأعلى