قال الأمين العام للأمم المتحدة إن النظام العالمي متعدد الأطراف يتعرض لضغوط أكبر من أي وقت مضى منذ إنشاء الأمم المتحدة، مما يتطلب اتخاذ إجراءات سريعة لاستخدام ميثاق الأمم المتحدة والأدوات الحالية لتحقيق قدر أكبر من الأمن والازدهار لكافة الناس.
وعقد مجلس الأمن الدولي أمس جلسة نقاش مفتوحة- على المستوى الوزاري- حول فعالية تعددية الأطراف من خلال الدفاع عن مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
رأس الجلسة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي خلال الشهر الحالي.
وتتزامن الجلسة مع اليوم الدولي لتعددية الأطراف والدبلوماسية من أجل السلام.
قال أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة خلال كلمته أمام المجلس “إننا نواجه أزمات غير مسبوقة ومتشابكة”.
وأضاف: “وصلت التوترات بين القوى الكبرى إلى مستوى تاريخي، وكذلك مخاطر اندلاع الصراع- سواء من خلال المغامرة الخاطئة أو سوء التقدير. لقد حان الوقت لتعميق التعاون وتعزيز المؤسسات متعددة الأطراف، لإيجاد حلول مشتركة للتحديات المشتركة”.
وفي سبيل القيام بذلك، دعا الأمين العام الدول الأعضاء إلى الامتثال لالتزاماتها، واستخدام الأدوات الحالية لحل النزاعات سلميا، وسد الثغرات في الحوكمة العالمية للوفاء بوعود الميثاق.
وقال إن أعضاء مجلس الأمن- ولا سيما الأعضاء الدائمين: الصين وفرنسا والاتحاد الروسي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة- يتحملون مسؤولية “إنجاح التعددية بدلا من المساهمة في تفكيكها”.
وأضاف: “يجب أن نتعاون؛ يجب علينا تكييف المؤسسات متعددة الأطراف وتعزيز الثقة حيث تشتد الحاجة إليها. إن التحديات العالمية الملحة تتطلب اتخاذ إجراءات جريئة وسريعة”.
وقال الأمين العام إن هناك حاجة ماسة إلى الاستجابات الفعالة متعددة الأطراف لمنع النزاعات وحلها، وإدارة عدم الاستقرار الاقتصادي، وإنقاذ أهـداف التنمية المستدامة، ومواجهة التحديات التي تواجه المعايير العالمية ضد استخدام وحيازة الأسلحة النووية.
وأضاف غوتيريش إن ذلك يشمل “الاهتمام الفوري بمعالجة الغزو الروسي لأوكرانيا- الذي يعد انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي- والاضطراب في الاقتصاد العالمي الناجم عن جائحة كـوفيد-19، والصراعات الدائرة في ميانمار، ومنطقة الساحل، والصومال، وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغيرها”.
وفي الوقت نفسه، يشهد العالم أزمة مناخية عميقة، وتفاوتات متزايدة، وتهديدا متزايدا من الإرهاب، ومواقف عالمية ضد حقوق الإنسان والمساواة الجنسانية، وتطويرا غير منظم للتكنولوجيات الخطرة.
وأضاف غوتيريش أن الأمم المتحدة لن تترك السودان وستواصل الوقوف إلى جانب شعبه
وأوضح أمين عام الأمم المتحدة إن “كل هذه التحديات العالمية لا يمكن حلها إلا من خلال احترام القانون الدولي، والالتزام بالتعهدات العالمية، واعتماد أطر مناسبة للحوكمة متعددة الأطراف”.
وأضاف: “نحن بحاجة إلى القيام بعمل أفضل، والذهاب إلى أبعد من ذلك، والعمل بشكل أسرع. يجب أن يبدأ ذلك بإعادة التزام الدول بتعهداتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وإعطاء الأولوية لحقوق الإنسان والكرامة ومنع النزاعات والأزمات”.
وأشار الأمين العام أن الأمم المتحدة أُنشئت لمواجهة الأزمات، مشيرا إلى أن المنظمة تغلبت على مدار تاريخها على صراعات مستعصية وانقسامات عميقة، مشددا على ضرورة “أن نجد طريقة للمضي قدما وأن نتحرك الآن- مثلما فعلنا من قبل- لوقف الانزلاق نحو الفوضى والصراع”.
ومشيرا إلى الإنجازات السابقة- من الحيلولة دون نشوب حرب عالمية ثالثة، إلى مساعدة 80 دولة في إنهاء الاستعمار وصياغة أدوات لتعزيز الدبلوماسية والتنمية- قال الأمين العام إن الحلول متعددة الأطراف للمشاكل العالمية “تمت تجربتها واختبارها وقد أثبتت فعاليتها”.
وأكد أن “التعاون متعدد الأطراف هو القلب النابض للأمم المتحدة وسبب وجودها والرؤية التي تسترشد بها”.
وبرغم أن المنافسة بين الدول أمر لا مفر منه، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يستبعد التعاون حيث تكون المصالح المشتركة والصالح العام على المحك على حد تعبير الأمين العام.
ولفت وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الانتباه إلى المذكرة المفاهيمية للاجتماع، والتي تنص على أن بعض أصحاب المصلحة “يقومون بمحاولات للحفاظ على النظام العالمي أحادي القطب، من خلال فرض مبدأ “القوة تصنع الحق” ومحاولة استبدال القواعد العالمية للقانون الدولي بـ” نظام قائم على القواعد”.
وقال لافروف “لقد وصلنا إلى عتبة خطيرة. يجب التخلي عن المعايير المزدوجة. إن تعزيز القواعد الغربية على الساحة الدولية يخنق التعددية. مفتاح النجاح هو تضافر الجهود”.
وقال إن التعددية الحقيقية تتطلب تغييرات كبيرة في الأمم المتحدة، بما في ذلك إصلاح مجلس الأمن لتمثيل المشهد العالمي بشكل أكثر دقة.
واتهم لافروف الولايات المتحدة بانتهاك ميثاق الأمم المتحدة- بما في ذلك “مسؤوليتها عن القصف الذري في اليابان عام 1945، وتدخلها في العراق، الذي أطلق العنان للإرهاب عبر المنطقة وخارجها” حسب تعبيره.
وحث الولايات المتحدة- بصفتها الدولة المضيفة للأمم المتحدة- على الامتثال لالتزاماتها وإصدار تأشيرات الدخول إلى البلاد على الفور لإتاحة المجال للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة.
وتطرق إلى الوضع في أوكرانيا، قائلا إن العلاقات الدولية يغلب عليها توازن المصالح أو ما وصفها بهيمنة الولايات المتحدة ودعمها لـ “نظام كييف”.
وفي هذا السياق، حث الأمينَ العام للأمم المتحدة على ضمان التزام الموظفين بالحياد.
بدورها، قالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد إن “الغزو الروسي طال أوكرانيا اليوم، لكن يمكن أن تتعرض له دولة أخرى فيما بعد”، مؤكدة أن مثل هذا الغزو الروسي هو من بين أسباب صياغة الميثاق في المقام الأول، وأن محاولة موسكو إعادة رسم الحدود الدولية تنتهك مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
وقالت السفيرة الأمريكية وهي تحمل في يدها نسخة من ميثاق الأمم المتحدة: “يوضح هذا الكتاب الأزرق الصغير أهدافنا ومبادئنا”، ومع ذلك، فإن الصراع في أوكرانيا يتعارض مع المبادئ المتفق عليها، حيث يستعد العالم لما وصفتها بالفظائع وجرائم الحرب التالية.
ومضت قائلة: “العالم بحاجة إلى أمم متحدة فعالة”، مضيفة أنه على الرغم من عيوب النظام الدولي، ساعدت مبادئ الميثاق على منع الانتشار النووي والفظائع، بينما انتشلت أكثر من مليار شخص من براثن الفقر.
وصرح السفير الصيني تشانغ جون بأن “العالم له نظام واحد فقط”، حيث يعتبر ميثاق الأمم المتحدة “حجر الزاوية”.
وقال إن حماية مبادئ ميثاق الأمم المتحدة تتطلب أفعالا تتطابق مع الأقوال بشكل ثابت وشامل، مضيفا أن وتيرة العلاقات الدولية يجب أن تعكس المساواة وتعزز فعالية التعددية، مشيرا إلى أن الدول النامية يجب أن تلعب دورها في هذا الصدد.
وللقيام بذلك، دعا إلى اتخاذ إجراءات لتحسين الحوكمة العالمية، وإصلاح النظام المالي الدولي، وإلغاء العقوبات أحادية الجانب التي تؤثر على الظروف الإنسانية في العديد من الدول.