عمق إخوان السودان الخلاف والشقاق الذين يصفهم أشقاؤنا هناك بالكيزان الخلافات العرقية والإثنية والإيدولوجية في هذا البلد الشاسع المتنوع الأعراق والديانات لكي يظلوا في السلطة أكبر وقت ممكن. وبدلا من أن يحلوا مشكلة الخلاف على تقسيم الموارد بين الشمال والجنوب أضافوا إليها الخلاف على تطبيق الشريعة الإسلامية ونشر اللغة العربية في الجنوب بقوة السلاح.
كانت أولى خطايا الكيزان أن حسن الترابي الذي كان مدعيا عامًا للسودان في عام 1983 استطاع أن يجند جعفر النوميري رئيس السودان ويحوله من اشتراكي إلى إخواني لكي يبقى في الحكم وأقنعه بالتوجه نحو واشنطن حيث هي القوة الاقتصادية الكبرى في العالم التي تستطيع دعمه بالأموال وتوفر له إمكانيات استخراج النفط الذي تم اكتشافه في السودان في منطقة بنتيو 1974 وفي مناطق أخرى في 1978؛ وأن ذلك سيجعله أن يبقي السودان موحدًا بالقوة وأنه بفرض تطبيق الشريعة الإسلامية ونشر اللغة العربية سيضمن له ولاء جميع السودانيين.
كانت الحرب الأهلية الأولى في السودان انتهت باتفاقية أديس أبابا في فبراير 1972 ولم يكن قد تم تطبيق كل بنودها بعد مما جعل الجنوبيين يشعرون بالخيانة لأن النوميري جلب شركة “شيفرون” الأمريكية لاستخراج البترول دون الاتفاق معهم مما جعلهم يقومون بمهاجمة منشئات هذه الشركة بعد أن حفرت 90 بئرًا وجعلتها تحمل عصاها وترحل.
رأي مجموعة من ضباط الجيش السوداني بقيادة الفريق سوار الذهب أن بقاء النوميري خطر على وحدة السودان فتمت إزاحته وإلغاء قوانين فرض الشريعة الإسلامية التي عرفت بقوانين سبتمبر 1983 التي صاغها الترابي وبعد عام من الاضطرابات أجريت الانتخابات العامة وفاز فيها ائتلاف من حزب الأمة السوداني بزعامة الصادق المهدي وحزب الاتحادي الوطني السوداني بزعامة محمد عثمان الميرغني وتمكن الأخير من عقد اتفاق مع أهلنا في الجنوب لإيقاف الحرب في 1988.
في هذه الفترة كان الترابي يعد لإنقلاب جديد من مقر إقامته في لندن. في حوار وئائقي مسجل على قناة الجزيرة مع المذيع أحمد منصور اعترف الترابي أن الإخوان كانوا يزرعون كوادرهم في الجيش السوداني منذ 30 عامًا قبل ثورة الإنقاذ التي جاءت بالبشير في 1989 وأن البشير كان أعلاهم رتبة فتم الاتفاق عليه. ولكي يجري إخفاء حقيقة البشير كان يشاع عنه أنه بعثي يتبع أفكار حزب البعث العراقي وعندما نجح الانقلاب عاد الترابي من لندن معلنا في مؤتمر صحفي أن السودان ستكون مركزًا لكل الحركات الجهادية في العالم وشكل مليشيا شعبية على غرار الحرس الثوري الإيراني قيل وقتها إن عددها بلغ 150 ألفا.
أشعلت ثورة الإنقاذ الحرب الأهلية الثانية وانضم العقيد جون قرنق الذي أرسله البشير لإخماد التمرد في الجنوب وكون الحركة الشعبية لتحرير السودان. على الأقل في خطاب جون قرنق الإعلامي لم يكن يريد تقسيم السودان لكن توحيده على أسس الاتفاق مع الشمال في تقسيم الموارد ورفض تطبيق الشريعة الإسلامية بالقوة. قتل في هذه الحرب حوالي مليوني سوداني وشرد الملايين. دخل جون دانفورث المبعوث الأمريكي للسلام على الخط وبحجة حماية المدنيين وإيقاف الحرب الأهلية انتهى الأمر بتقسيم السلطة بحيث يكون سيلفا كير الذي أصبح قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان بعد مقتل جون قرنق نائب رئيس السودان ورئيس الجنوب ثم أجري استفتاء في 9 يناير 2011 على انفصال الجنوب. لكي يظل البشير والترابي في السلطة وافقوا على التقسيم مع تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال.
أشعل كيزان السودان الخلافات في كل ربوع البلاد حتى إن أحدهم وهو الدكتور خليل إبراهيم كان مساعدًا عسكريا للبشير استشاط غضبا وأعلن تأسيس حركة العدل والمساواة وتمرد على حكم البشير وألف كتابًا كاملاً عن استحواذ الإخوان على جميع المناصب والموارد.
كان حكم الكيزان بشعًا إلى أقصى حد حتى إن شخصا يدعى “يحي بولاد” قال إن “الإخوان” جعلوه يرى أن العرق أقرب إليه من الدين وانضم إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان ثم قبض عليه بعد ذلك وأعدم.
من خطايا الإخوان الكارثية ما فعلوه بدارفو. كانت الاشتباكات القبلية تجري في دارفو منذ قديم الزمان وكان زعماء القبائل يحلونها بالجلسات العرفية ودفع الدية حيث إن هذه الخلافات كانت تحدث بشكل طبيعي حيث تهرب قطعان الإبل والبقر بأعداد كبيرة نحو المناطق الزراعية فتقع الاشتباكات.
ولأن دارفور مرت بفترة جفاف في السبعينيات والثمانينات، زادت حدة هذه الاشتباكات بين الرعاة من قبيلة الرزيقات وغيرها ومعظمهم من أصول عربية وبين المزارعين من قبائل الزغاوة والمساليت وغيرها وأغلبهم من أصول أفريقية وكلهم في النهاية مسلموا الديانة. زاد أيضا عدد الضحايا بعد دخول السلاح الحديث بسبب الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب ودخول أطراف خارجية تقدم السلاح لمن يدفع بعد أن كانت تدور بالعصا والسلاح الأبيض.