ثقافة وابداع

زمن كوبيا “قصة قصيرة”

بقلم : ضاحي عثمان

أحياناً أزهق، فأتمشَّى لأجلس على سلالم مسجد الحصري، لأنني من سكان الحي الثاني في مدينة أكتوبر، وفي ليلة بعد العشاء فوجئت بصديق لي يحمل إطار سيارة، ويجري بطريقة غريبة جداً، يجري وكأنَّه مربوط بحبل طويل من بعيد، وآخرون هناك يسحبونه منه بقوَّة. وعندما رآني فجأة استغاث بي فأردت أن أستجيب له، لكن لم يتوقَّف، فجريت خلفه لأعرف إيه حكايته، حتى وصلت إلى ميدان ماجدة، الموجود أمام حديقة الحصري العامة، بعد عشرات الأمتار من المسجد.!

وصلت إلى هناك، فشاهدت لمَّة كبيرة من الناس،ووسطهم توجد كومة من أجزاء سيارة، يبدو أنها كانت ميكروباص من قبل. لكن بمجرَّد أن رأى أحد هؤلاء الناس صاحبي، أمسك به على الفور، وقال لأحد الضباط الموجودين، هذا هو الشخص سبب كل هذه المصائب يا بيه.!

فأمسك الضابط بصاحبي برفق أولاً، ثم صار شديداً بعد ثوانٍ، وقال له:

لماذا فعلت هذا يا بُنيَّ، كنت ستموت، وكنت ستموِّت هؤلاء الرُّكّاب الحلوين، أولاد صك أسنانه، ثم تراجع وقال .أولاد الناس الطيبين.؟!، فقال له صاحبي بأدب جمّ:

آسف يا بيه، لم أكن أقصد ذلك. كل الحكاية ….. فقال الضابط:

آآآه، قل لي بهدوء، إيه الحكاية.؟!، فقال صديقي:

أبداً، أنا كنت بحاول عبور طريق الواحات السريع،من أمام مدينة الإنتاج الإعلامي. وكانت هذه العربة السرفيس مسرعة جداً جداً، وقبل أن تصدمني وجهاً لوجه، أعطيت لها ظهري، وطاطأت لها رأسي ونطقت بالشهادتين، ففوجئت بها، أنها مرَّت بسرعة، بعد ان صعدت فوق ظهري وهي بنفس سرعتها، ثـمَّ طارت عالياً في السماء، وكانت مفاجأة كبيرة جداً لي والله يا بيه، فقال الضابط وهو يأكل في ضروسه، ويكاد يبتلعها:

وماذا حدث بعد  ذلك يا جميل. يا ابن الناس الأمرا.؟!،فأجاب صاحبي ـ وأنا كدت أقفز إليه بمقلتيّ ـ وقال بكل هدوء:

والله يا بيه، أنا فوجئت أن كراسي العربية بالصاج الأبيض المثبتة عليه، وعليها الرُّكاب جالسون كما هم، قد طاروا وحدهم، شلة واحدة. وظللت أنا مذهولاً أرقب هذا الموقف الغريب، وأنا كنت ولازلت في وسط طريق الواحات. ثـم فوجئت بأنَّ موتور العربية بالعفشة والعجلات، قد طار من ورائها كذلك كقطعة أخرى خلف الأولى، ثم يهدأ صاحبي قليلاً، ويقول:

وللأسف، كان السائق وقتئذٍ يشتمني بلسانه الطويل. فاندهشت أنا من كلام صاحبي، وأقطب الضابط وجهه وتحجَّرت نظراته في مقلتيه،  وبرزت عيناه إلى الأمام، مثلي تماماً، وقال وصوت أسنانه يسمعها الجميع:

آه، وبعدين يا غالي على أمك.؟!، فأكمل صديقي عادي جداً، وأنا كنت في غاية العجب منه، وقال ببراءة شديدة:

أبداً يا بيه، أنا قبل تفكيري إني أرد عليه واشتمه كما يشتمني، اكتشفت أن مسماراً بأحد العجلات التي طارت منذ قليل، وقد أمسك بملابسي، ففوجئت بنفسي إني أطير في الجو خلفهم. ثم انخلع هذا الإطار من الميكروباص بعد قليل، ولكن قبل أن يصل إلى الأرض،سبحت أنا تجاهه في الهواء، والحمد لله أمسكت به، لإني خشيت أن يتسبب في حادثة على الطريق، واضطررتُرحمةً بهذا السائق، أن أحمل هذا الإطار معي الآن، وأجيء به إلى هنا، رغم إنَّه شتمني بلسانه الزِّفر، لكن خلاص المسامح كريم يا بيه.!

كان الضابط يستمع لصاحبي  وكنت أنا أشعر أن يده تأكله، ونفسه ومُني عينه، أن يصفعه بكف يده اليمنى، إن شاالله يجعل وجهه في قفاه. لكن مكسوف أو محرج من لمة الناس. فقال هذا الضابط وكرشه البارز، يكاد يفرقع من برود صاحبي وبلاهته، أو ينفجر رأسه غيظاً:

آه، يا حبيب أمك الغالية، وبعدين.؟!، فقال صديقي وهو يتصبَّب عرقاً أبداً يا بيه، دي كل الحكاية والله، فقال الضابط:

قل كل شيء يا غالي ولا تخف، واهدأ ولا تقلق أبداً، لأنك تتصبَّب عرقاً الآن.؟!، فردَّ عليه صاحبي:

أبداً، أنا قلت الحقيقة، وأنا هادئ جداً، فلماذا أخاف.؟!، ثُـمَّ إنَّ  هذا العرق من المشوار بس، فكاد الضابطيمسك برقبته ليخنقه ويخلص منه، لكن قال:

آآآه، لا تخفي عليَّ شيئاً يا أبو الكباتن.؟!، فقال:

لا والله يا بيه، أنا قلت لك كل الحقيقة، وليس لديَّ ما أُخفيه يا سعادة الباشا، فقال الضابط وبدأ يقلب وجهه:

حقيقة إيه يا حبيب أمك.؟!، أنت خربت عربة هذا الرَّجل.؟!، فاقترب صديقي من العربة، وقال:

لا، لا، أبداً، أنا لا خربتها ولا حاجة، ثـمَّ رفع بيديه كتلة الصاج الأبيض بكراسيها بسهولة جداً، ووضعها فوق كتلة العجلات بموتورها بسهولة، ولكن ظلَّ الكاوتش الرَّابع في يده، فقال السائق للضابط:

يا بيه لازم يسلمني العربية سليمة.؟!، ثـم التفت لصديقي، وقال:

أنت لازم تركِّب هذا الكاوتش، فقال له صديقي:

أنا لا أعرف كيف يركب هذا الإطار، وأقسم لك بالله العظيم، فشخط فيه السائق، قال:

نعم يا روح أمك، تخرب عربيتي، وتقول لا أعرف.؟!، إذا كنت قسَّمتها إلى كتلتين وركبتهما على بعض الآن،جاءت على تركيب هذا الإطار، وبقي مشكلة بين يديك.؟!،فقال الضابط للسائق:

قل لي أنت يا أسطى الأسطوات، ماذا جرى.؟!، فقال السائق بنفس البراءة، هي نفس الحكاية إلِّى قالها هذا الرَّجل يا بيه، فأمسك الضابط بأذن السائق، وقال:

هو أنت فاكر إني صدقت هذا الرَّجل العبيط!، وأشار إلى صاحبي، فقال له صاحبي بصدق: والله يا بيه، والله يا أسطى، أنا لم يسبق لي أن قمت بتركيب إطار عربية قبل ذلك. فأمسك الضابط بصديقي والسائق من قفاهما، وقال وهو يبدو أنَّه عزم الخلاص منهما:

هو أنا ناقض جنون، يا أولاد المجنونة، قولا الحقيقة وإلا سأخرب بيوتكما،؟!، فأقسما بالله أنهما قالا الحقيقة،فاضطر الضابط لأن يسحبهما خلفه إلى قسم أول،فتركتهم أنا، لأنَّني لابد أن أنام قبل منتصف الليل، وقد حان الوقت، فكلمت نفسي، وقلت لها:

هيا بنا، سنعود للبيت.!

ولكن، يبدو أن الضابط قام بعمل اللازم هناك. وبعد ثلاثة شهور من غياب صاحبي سألت عنه، فعرفت من أخيه الأصغر، أنَّه كل أسبوعين يأخذ مع السائق تجديد حبس، وأنا لا أعرف ماذا أفعل معهما.!

بعدها قمت بزيارته، فأقسما لي بأيمانٍ مغلَّظة إنَّهاقالا الحقيقة، ومع ذلك لم أصدِّقهما، وقلت في عقل بالي:

يستاهلوا.!

هو فيه أحد عاقل، يهَّزر مثل هذا الهزار الثقيل في هذا الزمن الكوبيا، مع رجال شرطة، لا يعرفهم.؟!

وبينما أنا أقول يستاهلوا، يستاهلوا وأخذ صوتي يرتفع، رفستني الست هانم، فقلت حاسبي: قالت لي:

أنت إللي تستاهل كل إللي يجرالك. فنظرت حولي وجدت نفسي، أنَّني كنت نائماً، لكن يبدو أن الغطاء انزاح عن ظهري قليلاً.!

زر الذهاب إلى الأعلى