مرسال المراسيل

الشيطان يعظ

قصص من الحياة يكتبها : عبد اللطيف نصار

أعلم اننى مخطئة  ، وأننى استحق ما حدث لى ، وأننى غير مصدقة أن ذلك قد يحدث لو أخبرنى به أحد ، ولكنه حدث معى أنا ، فأنا فتاة جميلة يتيمة الأب وأنا صغيرة، ويتيمة الأم بعد العشرين من عمرى ، وعمرى الآن 25 عاما ، ولى أشقاء وشقيقات كلهم متزوجون إلا أنا ، أعيش وحدى بعد وفاة والدتى ، واستكمل دراستى العليا ، وأقضى ليلى بين مشاهدة التليفزيون وسماع الاذاعة وقراءة الكتب ولا أعيش قصة حب تشغلنى عن الحياة ، ولم يحن الوقت بعد ليتقدم لى ابن الحلال ليطلب يدى ..
ولأن خبرتى بالحياة منعدمة ، فقد استعصى علىّ فهم بعض الأمور ، فأتصلت برجل جليل ومشهود له بالوقار والهيبة والقدوة الحسنة ومساعدة الآخرين ، وله مجلس علمى يحضره مريدوه وبعض أصحاب الحاجات ومن يحتاجون لتوضيح بعض الأمور التى يصعب عليهم فهمها ، ففوجئت به يطلب لقائى فى مجلسه لأنه كما قال لى يدرك أننى مختلفة وهو لا يريد أن يفتينى فى أمرى عبر الهاتف فذهبت إليه ..
رجل طاعن فى السن أكبرمني بحوالى خمسين عاما ، فى عمر جدى رحمه الله، اشتعل منه الرأس شيبا ، يبدو وقورا ، دافئا ، هادئا ، متزنا ، تشعر وأنت أمامه كأنك تعرفه منذ سنين ، وتتمنى لو أنه يضع يده على رأسك بحنو ليشعرك أن الدنيا بخير .
ولأننى بدون خبرة فى الحياة فكنت أصدق ما أراه أو أسمعه وكان يحدثنى تليفونيا بعد أن ينقضى النهار ويضرب الليل بظلامه على المخلوقات .. وفى إحدى المكالمات طلب أن يرانى فى الصباح , وذهبت إليه ..
اصطحبنى فى سيارته الفارهة ، وكنت مطمئنة إليه فهو فى عمر جدى ، ومشهود له بحسن الخلق والقدوة الحسنة ، وبعدجولة بالسيارة وقف أمام إحدى العمارات وطلب منى النزول لمشاهدة شقة ابنته التى تستعد للزفاف ورغما عنى اصطحبنى للشقة ثم خرج لقضاء أمر يهمه وأغلق الشقة ثم عاد بعد ساعات كنت خلالها أحاول أن أخرج من الشقة ولكن دون جدوى ..
وعاد وليته ما عاد ، فقد راح يسمعنى ما لم أسمعه من قبل وكنت أغمض عينىّ وهو يتغزل فى جمالى ،ولا أدرى كيف صدقته .. ولا أدرى كيف احتوانى وحدث ماحدث ولا أدري كيف؟ فبكيت، فراح يخفف عنى ولم أتوقف عن البكاء إلا لأطلب الزواج منه ،ففاجأنى برده حيث قال : أنا مستعد أتزوجك ولكن فى السر من وراء أهلك حتى يأتيك العريس فأطلقك لتتزوجى ،وسوف أكتب لكِ شيكاً على بياض مقابل ذلك ، وعندما رفضت قائلة له: هل ترضى ذلك لابنتك ؟فقال لا ، فقلت لماذا؟ فقال :لن أعطيكِ إجابة فإذا أردتِ الزواج مني في السر فأهلاًوسهلاً لأننى غير قادر مادياً على الزواج فى العلن .. ولم أنطق بكلمة وعدت إلى منزلى وأنا منهارة ولا أدرى ماذا افعل .. هل أفضحه ؟ وهل يصدقنى الناس وأنا أصغر منه فى السن بخمسين عاما، وهو يبدو للجميع وقورا حنونا دمث الأخلاق وقدوة يقتضى بها الآخرون ؟
إنه لا يزال يلح عليّ لمقابلتى ولا يزال يعرض عليّ الزواج بطريقته وأنا كالمشلولة لا أستطيع الكلام أو البوح بما حدث ولا أستطيع الرد على مكالماته وطلباته وأعيش ليلى ونهارى فى حالة من الصمت .. وكل تفكيرى يتجه إلى الإنتقام ولكن كيف أستعيد حقى وأكشف زيفه وكذبه وشخصيته الخفية التى لا يعرفها كل المحيطين به ؟                                                  الحائرة : ل . م

**  عندما أراد الشيطان إغواء آدم وحواء وإخراجهما من الجنة قال لهما ” إننى لكما من الناصحين ” وبالرغم من تحذير الله سبحانه وتعالى لهما بعد الاقتراب من شجرة معينة ، فقد أقنعهما الشيطان أن تلك الشجرة هى شجرة الخلد وملك لا يفنى .. وللأسف فعلها أبونا آدم وأمنا حواء وهانحن ندفع الثمن منذ بدء الخليقة وحتى يوم القيامة ..
ولا فرق بين شيطان يعظ وبين إنسان يرتدى مسوح الإيمان وداخله شيطان رجيم وإذا كان الشيطان مخطئاً لاغوائه آدم وحواء .. فهما كانا أكثر خطأً منه لأنهما صدقاه بالرغم من تحذيرهما من ذلك .. ولكن ماعسى الإنسان أن يفعل وقد حدث ماحدث ؟..
ولأنكما وقعتما فى الخطأ بنسبة متفاوتة فسوف نبدأ بمناقشة ظروفك التى قادتك إلى الوقوع فى الخطأ
فأنت فتاة فقدتِ الأب وأنتِ طفلة وكنتِ بحاجة ماسة إلى حضن تشعرين بداخله بالأمان، وحضن الأب غير الأم، وربما لأنك أصغر إخوتك فقد تزوجوا جميعا، وبقيتِ وحيدة مع أمك ،ولأنك يتيمة الأب فقد كانت تربية الأم اكثر حيطة معك لأنك فتاة أولا ولأنك يتيمة ثانيا فاقتصرت حياتك على البيت والدراسة ،ولم تورثك أمك خبرة الحياة فى أقل صورها، وهى التحذير من الثعلب الذى يرتدى ثياب الواعظين حتى يفوز بالفريسة التى صدقته ..
ولأنك بلا خبرة فى الحياة ويتيمة وتعيشين وحيدة فكان سهلا على الذئب أن يصطاد الفريسة ،والذئب لا يأكل من القطيع إلا الشاردة .. ولأنك افتقدتِ الأب طفلة فكنتِ تبحثين عن حضن الأب وطيبته وحنانه، وعندما نسج الشيطان حولك شباكه سقطتِ بسهولة فى المصيدة وأنتِ مطمئنة إلى سمعته التى تسبقه.. ولكنى أسالك ماذا كان يقول لك فى هاتف الليل المسحور .. هل كان يناقشك فى أمور الدين والدنيا أم كان يصب العسل كلاماً فى أذنيك فيسكرك حتى الثمالة .. والمرحلة اللاحقة للنظر والكلام هى اللقاء .. وعندما حان وقت اللقاء كان فى سيارته ولأنك تأمنين جانبه فقد ركبتِ معه بسذاجة وكان من الممكن بل ومن الطبيعى أن ترفضى، ثم أوقف السيارة تحت العمارة ،وطلب نزولك وصعودك معه، وكان من الطبيعى أن ترفضى، ولكن ربما لفضولك ولإحساسك الكاذب بالأمان صعدتِ معه وكان ما كان ..
أما هو فلا هو أمين ولا طيب ولا حنون ولا قدوة حسنة، إنه شيطان ارتدى ثوب الشيوخ ليغسل مخ الفريسة بمعسول الكلام مثلما قال الشيطان لآدم وحواء إنى لكما من الناصحين، فقد استغل طيبتك  أو خيبتك وسذاجتك بعدما عرف كل ظروفك الحياتية وحاجتك للدفء الأسرى والأبوى فوضعك أمام الأمر الواقع، وكيف ترفضين وهو رجل تسبقه سمعته الطيبة؟
وعندما وقع الخطأ والخطيئة وافق على الزواج منك بشروطه غير المحترمة وغير الشرعية وغير الانسانية فعرض عليك زواجا فى الظلام بحجة أنه غير قادر ماديا بينما يقول سأكتب لك شيكا على بياض وماذا تفعلين بشيك على بياض إذا كان صاحب الشيك  بلا مال ؟ ..
وعندما قلتِ له هل ترضى ذلك لابنتك قال لا .. لماذا؟ لأنه ذئب وغير محترم .. إذ كيف يرضى لبنات الناس مالا يرضاه لابنته ..؟ ولو كان ما يريده منكِ صحيحا ماطلبه فى الظلام ..
ثم هو الآن يطاردك بالتليفونات ليكرر فعلته غير المحترمة وسوف يظل يطاردك لأنه يعلم أنه من الصعب عليكِ اقناع الآخرين بأنه ذئب وغير جدير بالاحترام وليس أهلا للثقة بل هو قدوة سيئة ..
والآن أنت تريدين الانتقام منه وأنا لا أؤيدك فى الانتقام بل يجب عليك الذهاب لأقرب قسم شرطة، وتحرير محضر ضده بما حدث ،وساعتها سوف يأتيكِ صاغرا ليتزوجك بشروطك لأن القاعدة الفقهية تقول:من أفسد شيئا فعليه اصلاحه والإصلاح لمثل حالتك هو الزواج ولو ليلة واحدة أفضل من الهروب بفعلته التى يستحق عليها الإعدام ..
وفى النهاية لايمكننى اتهامه وحده بالجريمة إذ أنك شريكة معه بل وربما سهلت له ارتكابها ،وفى هذه الحالة قد لا يكون القانون فى صالحك .. فاستفيقى لما أنتِ فيه .. وقدِّرى لقدمك قبل الخطو موضعا، حتى لا تقعى فى حفرة الحياة غير مأسوف عليكِ من قريب أو بعيد .. ألا هل بلغت .. اللهم فاشهد ..
—————–

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى