الحمض النووي المريخي.. اكتشاف مذهل يهزّ مفاهيم أصل الحياة

لطالما كان سؤال أصل الحياة على الأرض من أكثر الألغاز التي حيّرت العلماء والفلاسفة على حد سواء، والآن، يأتي اكتشاف مذهل في نيزك مريخي عمره مليارا عام ليضيف بعدًا جديدًا لهذا اللغز: العثور على مركّبات تشبه الحمض النووي البشري يفتح الباب أمام احتمالات غير مسبوقة، ويطرح سؤالًا ثوريًا: هل بدأت الحياة فعلًا هنا، أم أنها قد تكون وصلت إلينا من المريخ؟
تشير التحاليل الدقيقة إلى أن النيزك يحتوي على أحماض أمينية وجزيئات عضوية – وهي اللبنات الكيميائية الأساسية للحياة – ظلت محفوظة منذ العصور المبكرة لتاريخ المريخ. ويُعتقد أن هذه المركبات تشكلت عندما كان الكوكب الأحمر يمرّ بمرحلة أكثر استقرارا من الأرض، ما قد يكون أتاح له السبق في احتضان بدايات الحياة الأولى في النظام الشمسي.
يقول الدكتور جيسون دوركين، كبير علماء ناسا في مهمة “أوسايرس-ريكس” المريخ أشبه بمخزن مليء بالمكونات، لكن الظروف لم تكن مناسبة تمامًا لصنع الكعكة. على الأرض لدينا الكعكة، ولا نعرف السبب.”
هذا التشبيه يلخص فرضيةً مذهلة تعرف باسم “البانسبيرميا”، وهي النظرية التي تفترض أن الحياة – أو مكوناتها الأولية – يمكن أن تنتقل من كوكب إلى آخر على متن النيازك والمذنبات، ووفق هذه الفرضية، ربما تكون الحياة قد بدأت على المريخ ثم نُقلت إلى الأرض بعد اصطدامات كونية هائلة قذفت الصخور المريخية إلى الفضاء، لتستقر لاحقًا على كوكبنا وتنثر فيه شرارة الحياة الأولى، وفقا لموقع ” dailygalaxy.”.
يوضح البروفيسور بول ديفيز، عالم الفيزياء النظرية والأحياء الفلكية في جامعة ولاية أريزونا: “فقد المريخ حرارته الداخلية أسرع من الأرض، لذا ربما أصبح صالحا للحياة في وقتٍ أبكر. وهذا يفتح احتمالا مثيرا بأن بعض اللبنات الأولى للحياة على الأرض قد تكون جاءت من هناك.”
هذه الرؤية الجريئة تُعيد صياغة قصة أصل الإنسان بالكامل. فبدلًا من أن تكون حياتنا نتاجًا حصريًا لتطور أرضي، قد نحمل في خلايانا إرثًا بيولوجيا من عالمٍ آخر. وهي فرضية توسّع فهمنا لتاريخنا التطوري، وتفتح الباب أمام احتمالات جديدة لوجود الحياة في أماكن أخرى من الكون.
الرحلة بين الكواكب ليست خيالا علميا بحتا. فالعلماء يؤكدون أن النيازك يمكن أن تغادر كواكبها الأمّ بفعل الاصطدامات، حاملةً معها جزيئات عضوية أو حتى ميكروبات خاملة. ويمكن لهذه الشظايا أن تسافر عبر الفضاء لملايين السنين قبل أن تهبط على كوكبٍ آخر. يوضح عالم الكواكب فريد سيسلا من جامعة شيكاغو: “اكتشفنا أن المادة يمكن أن تُطرد من نظام كوكبي وتصل إلى آخر. هذا أمر نادر، لكنه ليس مستحيلاً ولا خيالياً.”
وتعود أهمية هذا الاكتشاف أيضا إلى توقيت نشوء الأرض نفسها. فالعلماء يعتقدون أن كوكبنا في بداياته كان عالما منصهرا يتعرض لقصفٍ عنيف من الكويكبات والمذنبات، مما جعل تكوين الجزيئات العضوية المستقرة أمرا شبه مستحيل. لذا يرجّح بعضهم أن المواد العضوية – وربما بذور الحياة ذاتها – وُصلت إلى الأرض لاحقا عبر تلك الاصطدامات نفسها التي جلبت إلينا الماء والمحيطات.
يقول الدكتور دوركين موضحا: “مرت الأرض بمرحلة انصهار مبكرة، وأي مادة عضوية كانت ستُحرق بسرعة. لذلك ربما جاءت المكونات بعد ذلك، على متن الصخور التي اصطدمت بنا وجلبت معها الماء والحياة معًا.”
تُعرف هذه النظرية باسم فرضية القصف الثقيل المتأخر، وتقترح أن تلك الاصطدامات العنيفة لم تُعد تشكيل الأرض فحسب، بل غذّتها بالمكونات التي مهدت للحياة. وإذا كانت آثار الحمض النووي المريخي المكتشفة أصلية بالفعل، فقد تمثل رسائل بيولوجية من الماضي السحيق – “طرودا كونية” عبرت الفضاء لتضع أول وصفة للحياة على كوكبنا.










