«ديب سيك» الصيني يشعل حرب الفضاء الأزرق

ظهر الذكاء الاصطناعي فأحدث ثورة تكنولوجية في العالم أجمع، امتدت آثارها إلى كل شيء؛ باستخدام تطبيقاته في المجالات كافة، حتى في التفكير والإبداع، وكان تطبيق «تشات جي بي تي» هو نجم هذه الثورة، لكن فجأة ظهر تطبيق «ديب سيك» الصيني، فقلب الطاولة، وأشعل حرباً بين أمريكا والصين، تذكّرنا بالحرب التاريخية بين أمريكا والاتحاد السوفييتي السابق من أجل امتلاك الفضاء الخارجي للأرض، لكن ميدان الحرب الحديثة هو الفضاء الأزرق.. تعالوا ندخل في غمار هذه الحرب المشتعلة لنعرف إلى أين يمكن أن تقود العالم، وهل هي فقاعة سوف تنفجر وتتلاشى أم سوف تستمر وتتطور؟
في البداية، نورد سبب انحياز بعض الخبراء إلى تفضيل «ديب سيك» على «تشات جي بي تي»؛ وهو أن الأول حقق نتائج أفضل من الثاني في معيار للاستدلال المنطقي، وسجل درجة أعلى في اختبار الرياضيات.
وقال ماتين جوزداني، شريك البيانات والتحليلات والذكاء الاصطناعي لدى «كي بي إم جي» في المنطقة: على الرغم من الانتشار الواسع لأدوات الذكاء الاصطناعي مثل «تشات جي بي تي»، فإن تبني الذكاء الاصطناعي على مستوى الشركات كان يتضاءل إلى حد ما بسبب التكلفة العالية وصعوبة الوصول إلى البنية التحتية اللازمة وموارد الحوسبة المتخصصة، خصوصاً في منطقتنا، في حين يعِد «ديب سيك» بتوفير حلول مفتوحة المصدر وبتكلفة أقل، قد تسرّع من اعتماد الذكاء الاصطناعي في قطاع الأعمال على نطاق أوسع وبوتيرة أسرع.
وقد تسبب «ديب سيك» في صراع جديد بين الشركات الصينية الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي وبين الولايات المتحدة الأمريكية التي تهيمن على هذا القطاع في العالم، ويشبّه البعض هذا التنافس بـ«سباق الفضاء» بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق في القرن الماضي، حيث أدى التحدي بين القوتين العظميين إلى قفزات هائلة في الابتكار أفادت العالم بأسره، وربما ننظر إلى هذا التطور في الذكاء الاصطناعي بعد سنوات بالطريقة نفسها، ويكون أمراً إيجابياً للصناعة ككل.
هل تكون فقاعة؟
ولكن هل يمكن أن تكون شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي فقاعة في طريقها إلى الانفجار؟.. يعترض جوزداني على ذلك، مؤكداً: يشير الاتجاه العام إلى استمرار النمو وليس إلى التراجع، فالذكاء الاصطناعي صار جزءاً أساسياً من مستقبل الأعمال والتكنولوجيا، ولا أنصح الشركات بأن تبقى متفرجة بانتظار أن تتلاشى هذه التقنية.
بدلاً من ذلك، من الضروري الاستعداد لدمج الذكاء الاصطناعي، سواء من خلال تحسين جودة البيانات، أو تأهيل الفرق العاملة، أو وضع استراتيجية واضحة لتوظيف هذه التقنية بفعالية.
سباق مجنون
لقد قلب «ديب سيك» تطور الذكاء الاصطناعي رأساً على عقب؛ حيث لم يكن ظهوره يتعلق بالابتكار فحسب، بل كان يتعلق بالسرعة.. هكذا تقول المحللة الاقتصادية ناتاليا ميريندا، مضيفةً: انتقل المشروع من المفهوم إلى الواقع بوتيرة مذهلة، وفي حين يبدو صعوده وكأنه تحول مفاجئ، فإن هذا كان لا بد منه؛ فالذكاء الاصطناعي لا يسير في خط مستقيم، بل يقفز إلى الأمام في دفعات غير متوقعة.
وعن حجم التأثير الذي يمكن أن تُحدثه شركات الذكاء الاصطناعي الصينية الناشئة في الهيمنة الأمريكية، وفي مشاريع الرئيس دونالد ترامب في هذا المجال، «ستارغيت» مثلاً؛ قالت ميريندا: هذه الشركات ليس همّها التفوق على الشركات الغربية، فهي تبني ذكاءً اصطناعياً خاصاً بها وفقاً لشروطها الخاصة.
و«ديب سيك» دليل على أن سباق الذكاء الاصطناعي لا يتعلق بالتحسينات الهامشية، بل يتعلق بمن يمكنه التوسع بشكل أسرع، فما كان يستغرق عقوداً من الزمن يحدث الآن في أشهر.
وردّاً على من يقولون إن الذكاء الاصطناعي عبارة عن فقاعة تنتظر الانفجار، تقول ميريندا: إنه ليس اتجاهاً استهلاكياً، بل هو نقلة نوعية.
نعم، التقييمات آخذة في الارتفاع، ونعم، سوف تفشل بعض الشركات، وستكون القيمة الحقيقية موجودة لمن يتحكم في معظم البيانات، ولكن يمكننا القول باختصار: إنه عصر التصنيع الجديد