نشرت الدكتورة سوزان القلينى، أستاذ الإعلام الشهيرة، على صفحتها في فيسبوك ضمن سلسلة كتاباتها تحت عنوان “حكاية الجمعة” القصة التالية: في مدينة سامراء شمال بغداد، التي اشتهرت بكونها مدينة للعلم والمعرفة، كانت هناك جامعة كبيرة يرأسها العلامة الكبير أبو الحسن، أحد ألمع رجال الفكر في العراق. بين طلابه العرب الكثر، كان هناك تلميذ فقير الحال لكنه يمتلك ذكاءً متوقداً وطموحاً كبيراً ليصبح أحد أعمدة العلم في العراق.
في يوم شديد الحرارة، خرج التلميذ الفقير من الدرس جائعاً وتوجه إلى السوق، حاملاً في جيبه فلساً ونصف الفلس. كانت وجبة الخبز والفجل تكلف فلسين، فاشترى بفلس واحد خبزة واحدة وذهب إلى بائع الخضروات وطلب منه باقة فجل قائلاً: “معي نصف فلس فقط.” رد البائع: “الباقة بفلسٍ واحد.” قال الطالب: “سأفيدك في مسألة علمية أو فقهية مقابل الفجل.” رد البائع بسخرية: “لو كان علمك ينفع، لكسَبت نصف فلس لإكمال سعر باقة فجل واحدة. اذهب واشرب علمك حتى تشبع!”
كانت كلمات البائع كالسيف على نفس التلميذ، فقال لنفسه: “نعم، لو كان علمي ينفع لأكملت به سعر باقة الفجل الواحدة نصف فلس! علم عشر سنوات لم يجلب لي نصف فلس! سأترك الجامعة وأبحث عن عمل يليق بي وأستطيع أن أشتريَ ما أشتهي.”
بعد أيام من الغياب، لاحظ الأستاذ الكبير غياب تلميذه النجيب، فسأل الطلاب عنه. رد الطلاب: “لقد تخلى عن الجامعة والتحق بعملٍ يتغلب فيه على ظروفه القاسية.” أخذ الأستاذ عنوان الطالب وذهب إلى بيته ليطمئن عليه. عندما سأل الأستاذ التلميذ عن سبب تركه الجامعة، سرد التلميذ القصة كاملة وعيناه تذرفان الدموع. قال الأستاذ: “إن كنت تحتاج إلى نقود، إليك خاتمي هذا؛ اذهب وبعه وأصلح به حالك.” رد التلميذ: “لقد كرهت العلم لأني لم أنتفع منه.” قبل التلميذ هدية أستاذه وتوجه إلى محلات الصاغة ليبيع الخاتم. استغرب الصائغ وقال: “أشتري منك الخاتم بألف دينار، ولكن من أين لك هذا الخاتم؟” أجاب التلميذ: “هو هدية من أستاذي أبو الحسن.” ذهب الصائغ مع التلميذ لمقابلة الأستاذ واطمأنَّ إلى صدق الطالب وأعطاه ثمن الخاتم.
سأل الأستاذ: “أين ذهبت عندما أردت بيع الخاتم؟” أجاب التلميذ: “إلى محلات الصاغة.” رد الأستاذ: “لماذا ذهبت إلى محلات الصاغة وليس إلى بائع الفجل؟” أجاب التلميذ: “هناك يثمنون الخواتم والمعادن الثمينة!” قال الأستاذ متعجباً: “لماذا، إذاً، قبلت أن يثمنك بائع الخضروات ويقول إن علمك لا ينفع شيئاً؟ هل يثمن بائع الفجل علمك؟ لا يثمِّن الشيء سوى من يعرف قيمته! وأنا أثمِّنكَ كواحد من أعظم طلابي. لا تدع من لا يعرف قيمتك يثمنك؛ ثمّن علمك عند من يعرف قدرك. ارجع إلى درسك وعلمك!”
العبرة: كم مرة نقع ضمن تثمين خاطئ من أشخاص لا يعرفون قيمتنا؟ التقييم الصحيح لا يكون إلا من أصحاب العلم والاختصاص الذين يعرفون قيمة الإنسان مهما كان صغيراً. الناس معادن، ولا يعرف قيمة المعدن النفيس إلا من يفهم في المعادن. فلا تجعل بائع الفجل ومن في مستواه يقيِّمك (مع الاحترام لبائعي الفجل).
—
هذا المحتوى تم باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي