الشاعر التونسي عبدالعزيز الهمامي الفائز بجائزة البابطين : الشارقة صارت قبلة للشعراء وعاصمة للفن والأدب العربي
الشارقة: عطا عبد العال
نصوصي الشعرية في ( هديل الغيمة ) تعبير عن ذاتي المتوهجة عن حياة الإنسان بأفراحها وأوجاعها وحروفي أجنحة من ضوء تسافر نحو المطلق حيث الإنعتاق الجميل الذي يمنح الغيوم الماطرة ويخترق التخوم وحواجز السديم إقتناصا للدهشة أو بحثا عن الأشياء الغائبة أو بحثا عن صورة لحلم يكون أجمل من الواقع ومدينة القيروان الساحرة أراها عشيقتي الأولي وملهمتي أما الشارقة فأني أرها اليوم قبلة للشعراء وعاصمة للفن والأدب بعدما أرتقت المبادرات الثقافيى لصاحب السمو الشيخ سلطان القاسمي بالمشهد الثقافي العربي ونجحت في جمع شمل الشعراء والأدباء والمثقفين والمبدعين العرب هكذا يتحدث لـ ( بوابة مصر الأن ) الشاعر والإعلامي التونسي عبدالعزيز الهمامي صاحب الديوان الشعري الفائز بجائزة مؤسسة البابطين .
حصد ديوانك الشّعري ( هديل الغيمة ) علي جائزة أفضل ديوان شعري في مسابقة الابداع الشّعري لمؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثّقافية مؤخّرا كيف استقبلت نبأ هذا الفوز المهم في هذه المسابقة الشّعريّة المهمّة عربيّا ؟
أريد أن أُثْنيَ في البداية علي ما توليه مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافيّة من إهتمام كبير بشؤون الفكر والأدب والثقافة كما أعبّر في هذا السّياق عن إعتزازي وسعادتي بفوزي بالمركز الأوّل وحصولي علي جائزة أفضل ديوان شعر مناصفة مع الشاعر المصري عبد الله الشّوربجي من قبل هذه المؤسسة العربيّة الكبرى والعريقة عن ديواني (هديل الغيمة ) ومن البديهي أن أشعر بشيئ من الفرح والنّخوة حتّى أُدرك علي الأقل أنّ تجربتي الشّعرية هي في دائرة الضّوء وأنّ نصوصي لم تكن خارج الذّائقة الأدبية بل لها صداها العميق في ذهن الرأي العام النّقدي العربي وأنا لا تهمّني كثيرا المكافأة الماديّة بقدرما تهمّني القيمة المعنويّة للأثرالذي أتركه للمتلقّي ولمساهمة هذا الأثرالأدبي في إغناء المشهد الشّعري العربي .
– لو تحدّثنا أكثرعن هذا الدّيوان الفائز وما يمثله في مسيرتك الشعرية ؟
(هديل الغيمة )هو ثالث ديوان شعري في مسيرتي الأدبية تمت طباعته سنة 2017 بالشّركة التّونسيّة للنّشر وتنمية فنون الرسم وأشتمل علي 58 قصيدا بعضها من اللون العمودي وبعضها الآخر من شعر التّفعيلة وكل النّصوص هي مرايا الذّات المتوهّجة والمعبّرة عن قضايا الإنسان والحضارة وعن حياتنا الأليفة في أفراحها وأوجاعها فكان الحرف أحيانا يحمل أجنحة من ضوء ليسافر نحو المطلق حيث الإنعتاق الجميل الذي يمنحك الغيوم الماطرة ويخترق التخوم وحواجز السّديم اقتناصا للدّهشة أو بحثا عن الأشياء الغائبة أو عن صورة لحلم يكون أجمل من الواقع . لقد حاولت في هذا الديوان أن أضع رسائل غير مشفّرة للقارئ وأن أجعل من القصائد كونا حافلا بالارادة وبنكهة الاختلاف وأن أقرع الأبواب الموصدة . أمّا هذا الفوز بهذه الجائزة العربية فانّي أعتبرها تتويجا لمسيرة شعرية بدأت منذ ستينات القرن الماضي وهي في كلّ الأحوال تمثّل حدثا سعيدا في حياتي ومرحلة جديدة بطعم النّخوة والابتهاج .
– مدينة القيروان التي نشأتَ وتعيش فيها الأن إلي أيّ مدى كان لسطوتها التاريخية والحضاريّة والفنيّة السّاحرة تأثيرا علي تجربتك الشّعريّة ؟
القيروان هي أمّ القرى في المغرب وعاصمة الحضور الإسلامي بشمال أفريقيّة وقلعة تاريخيّة شامخة للحضارة العربية والأدب والعلوم وهي مدينة الحصري صاحب القصيد الشّهير ياليل الصبّ متى غده / أقيام السّاعة موعده وهي التي أنجبت كبار الشعراء الذين ملأوا الدّنيا وشغلوا النّاس أمثال أبن رشيق وأبن شرف وأبن فضّال وأبو القاسم الفزّاري وصالح السويسي ومحمّد مزهود ومحمد الحليوي والنّاصر الصدّام والشّاذلي عطاء الله وجعفر ماجد وغيرهم كثير لذلك وجدت نفسي منذ ولادتي في أحضان هذه المدينة السّاحرة أتنفّس هواءها وأشمّ أريجها وأمشي في شوارعها وأزقّتها وأسواقها فهي عاشقتي الأولي التي أينَعَتْ طفولتي تحت سمائها وكتبت عنها أجمل القصائد لأنّها علّمتني أبجديّات الحبّ وفنّ الشّعر القيروان ملهمتي في الحياة فهي كما يقولون لا يمرّ منها إلا شاعر أو مجنون أنّها بالنسبة لي الشّجرة التي منحتني ظلالها الوارفة وأيقظت في نفسي الشّعوربالوفاء إلي هذه المدينة التي كانت مركزا مضيئا للاَداب والعلوم خلال الفترة الزّيريّة والعهدين الصّنهاجي والأغلبي . ولذلك كان تأثير هذه المدينة بكل طقوسها ومفرداتها ومميّزاتها وأجوائها الحميمية الأثرالعميق في تجربتي الشّعريّة حتّي أن رائحة هذه المدينة كانت منتشرة في معظم نصوصي فكنت من حيث أشعرولا أشعرأنّي منخرط دون قيدٍ أو شرط في خانة ما اصطلح على تسميته بالمدرسة الشّعريّة القيروانيّة .
– أسستَ أوّل نادٍ للأدب في القيروان مبكّرا من حياتك الأدبية والشّعريّة حدّثنا عن الأجواء الشّعرية التونسية في ظلّ وجود مثل هذه النّوادي التي توّجت في النّهاية بإنشاء صاحب السمو الشيخ الدكتورسلطان بن محمد القاسمي حاكم الشّارقة بأحدث بيت للشعر بالجمهورية التّونسية
كنت في مقتبل العمر وفي بداياتي مولعا بنظم الشّعر وكنت بمعيّة أصدقائي نلوذ بمقاهي المدينة لنُسمع بعضنا جديد قصائدنا ومحاولاتنا الشّعريّة في ذلك الوقت وصادف في تلك الفترة دعوتي من قبل والي الجهة وإختياري لمباشرة العمل كحافظ مكتبة بمؤسسة اللّجنة الثّقافية الكائنة سابقا بدارالمرابط بالسوق العتيقة وكانت هذه الوظيفة الجديدة اَنذاك حافزا لي علي المبادرة بتأسيس أوّل نادٍ للأدب في أواخر ستّينات القرن الماضي حيث تواصل حتّي أواسط السّبعينات وشهد إقبالا لافتا من روّاده الّذين كانت لهم فرصة جيدة لإبراز مواهبهم وعرض أشعارهم ومناقشتها وتقييمها بحضور كبار أدباء وشعراء القيروان في ذلك الوقت ولاسيما منهم محمد مزهود والشّاذلي عطاء الله وجعفر ماجد وقد أصبح بعض روّاد هذا النّادي اليوم من الوجوه الشعرية والأدبية المعروفة في تونس وخارجها وأعتبر شخصيّا أنّ تلك الفترة بالذّات هي الحلقة الذّهبية التي أزدهر فيها الشعر والأدب لا في القيروان فحسب بل في كامل البلاد التّونسية وفي تقديري أنّ المسار الأدبي اليوم سواء في القيروان أو في تونس بشكل عام إستعاد ألقه بعد فترة من التراجع خصوصا بعد أحداث بيوت الشّعر العربية التي تحققت بفضل المبادرة الرّائدة لصاحب السّموّ الشيخ الدكتورسلطان بن محمّد القاسمي عضو المجلس الأعلي حاكم الشّارقة فهذا الرّجل الإستثنائي الرّائع الذي أرتقى بالمشهد الثقافي العربي وجمع شمل الشّعراء والأدباء والمثقّفين والمبدعين ورفع لواء الشّعرعاليا وجعل من الشّارقة عاصمة للأدب والشعر والفنون وهو ما يُحسب له في ميزان حسناته فألف شكرله علي ما قام به من أجل دعم ورعاية الثقافة العربية .
– وماذاعن تجربتك الشّعريّة وإرهاصاتها الأولي؟ ومتي تفاجئك القصيدة ؟
دعني أقول لك انّ تجربتي الشّعريّة بدأت بتلاتها تتفتّح شيئا فشيئا وأنا علي مقاعد الدّراسة بمعهد المنصورة وكنت أعرض محاولاتي الشّعريّة الأولي علي أستاذي الأديب القيرواني الرّاحل محمّد الحليوي حيث كان يشجّعنى دوما على مطالعة الشعر العربي القديم ويحثّني علي مواصلة الكتابة كما وجدت مساندة أدبية كبيرة من شعراء وأدباء قيروانيين كبار أمثال محمّد مزهود وأحمد القديدي وجعفر ماجد ومن والي القيروان اَنذاك الأستاذ المنجي الفقيه رحمه الله الذي كان مسكونا بهاجس الأدب والشّعر والّذي تنبّأ لي بمستقبل واعد في الشّعر وذلك قبل أن يحرص على تعييني مراسلا جهويّا للصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئيّة .
أن القصيدة تأتيني بدون موعد وتخترق فضائي من غير تأشيرة سفر وأحيانا تقتحم غرفة نومي فلا أمانع لأنّي أشعر في تلك اللحظة بأنّ لي رغبة جامحة في البوح والتعبيرعمّا يختلج في أعماقي من مشاعر لا تتوقّف إلا متى حصل النّص علي شهادة الميلاد أكون عندئذ مسيّجا بحالة من الفرح الحقيقي .
– ذكرت في حوارات سابقة أنّك كنت في بداية مشوارك الشّعري والأدبي تجد الطّريق ممهّدا لنشر أشعارك بوسائل الإعلام والدّوريّات وغيرها فكيف صارت أجواء نشر الأعمال الشعريّة الاَن في تونس وخاصة الشعراء الشّباب ؟
أن ّما يميّز حركة النّشر في تونس منذ حولي النّصف قرن هو كثرة الصحف والمجلات وأعتقد أنّ هذا ساعدني بالطّبع علي نشر نصوصي الشّعرية مثلما ساعد الكثيرين أيضا ولا سيّما الشباب ممّن وجدوا ضالّتهم في وسائل الإعلام التي إحتضنت إتاجهم في ملاحقها الأدبية أمّا اليوم فقد تغيّرالوضع وتقلّص في تقديري فعدد هذه الصحف تراجع كما تراجع قرّاؤها بسبب ظهور الفايسبوك والتزاحم الشّديد علي المواقع الألكترونية المختلفة وسهولة نشر ما يمكن نشره بكل حرّية وأدّى هذا الأمرفي غياب الرّقابة إلي إتساع رقعة التفاهات الشّعرية وتزايد أعداد المتطفّلين على الشّعر.
– كيف تنظر إلي مستقبل الحركة الشّعريّة الاَن في الوطن العربي بعد أن ازداد إهتمام المؤسسات الثقافيّة في بعض الدّول والمدن العربيّة وعلي رأسها إمارة الشّارقة ؟
أعتقد من وجهة نظري الخاصّة أنّ امارة الشّارقة اليوم هي في طليعة المدن التي أعادت للشأن الثقافي إعتباره ولديوان العرب بريقه وحرصت علي حماية اللّغة العربية كعنصر أساسي من عناصر هويتنا العربية الإسلامية ويكفي الشّارقة فخرا أنّها أتاحت الفرصة لعديد الشّعراء في وطننا العربي للمشاركة في مهرجانها السّنوي المتميّز للإبداع الشّعري كما كان لشارقة المجد دورهام في رعاية أعداد هامة من الشّعراء الشباب والإحاطة أيضا ببعض الشعراء الذين كانوا مغمورين في بلدانهم وهي بهذه الصّورة النّاصعة تساهم بشكل فاعل ونشيط في توسيع مجالات هذا الحراك الثقافي الوارف داخل أرجاء وطننا العربي من المحيط الى الخليج
– بعد أن أنجزت ثلاث دواوين شعريّة متميّزة حتي الاَن تري ماهي أقصى أحلامك على صعيد عالمك الشّعري ؟
الشّاعر لن يتوقّف عن الحلم ولن ينقطع عن الإبداع فهو مسكون بالإضافة وله خيال عابر نحوالبعيد وأنا لست ممن يعودون علي أعقابهم من وسط الطّريق من ذلك أنّ أحلامي كثيرة منها رغبتي في طباعة ديواني الرّابع الذي أرهقني محتواه وبذلت قصارى الجهد من أجل أن يصدر بشكل يرضيني كما أطمح إلي طباعة أعمالي الشّعريّة الكاملة وبالرّغم من ذلك فانّ القصيدة الأجمل والأروع لم أكتبها بعد فقد تأتي أولا تأتي ربّما تحملها الرّيح ذات يوم ذلك ما يبقي في سجلّ الغياب
– أنت شاعر وإعلامي في نفس الوقت أي من الحرفتين لديك تخدم الأخري علي صعيد الإبداع الشعري والتميّز الإعلامي ؟
بدأت التعامل مع الأدب والشّعر قبل أن أباشر مهنة الإعلام التي أخذتني طيلة نصف قرن كنت خلالها منهمكا بإستمرار في تحرير المقالات ونقل المراسلات الصّوتية إلي الإذاعة الوطنيّة وإعداد بعض البرامج الإخباريّة للتلفزيون التونسي والتعامل مع وكالة تونس أفريقيا للأنباء ولكنّي لم أتوقّف عن كتابة الشّعر وقد ساعدني الأدب كثيرا في مسيرتي الإعلامية وأدركت أنّه بالفعل كان عاملا من عوامل نجاحي الصّحفي حتّى أنّ عامة النّاس في تونس يعرفونني بخطّتي الإعلاميّة .
– أطلق مؤخّرا صاحب السّمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة جائزة للنقد الشّعري وذلك بهدف إثراء الحركة النقدية الشعرية كيف ترى أهميّة هذه الجائزة أمام تعاظم الحركة الأدبية في وطننا العربي ؟
أنّ جائزة الشّارقة لنقد الشّعرالعربي التي أطلقها مشكورا صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشّارقة هي علي درجة عالية من الأهمّية وحافز آخر للنّقّاد والكتّاب والباحثين العرب علي تقديم الإضافة الإبداعيّة المنشودة لقطاع النقد الأدبي والشعري الذي أصبح اليوم يتطلّب الكثير من مقاييس الحياد والموضوعيّة والإبتعاد عن المجاملات التي لا طائل من ورائها وفي تقديري أنّ هذه الجائزة جاءت في وقتها المناسب لإعادة الإعتبار لمسألة النقد الشّعري حتّي يحقق أهدافه النبيلة التي لا تقلّ إبداعا أو عطاءا عن الأثر نفسه وهي خطوة أخرى رائدة تأتي من عبق الشّارقة تشجيعا للنّاقد ودفعا وتطويرا للحركة النقدية الأدبية وأنتهز هذه الفرصة لشكر معالي الأستاذ عبد الله محمد العويس رئيس دائرة الثقافة على إهتماماته الكبيرة بالإبداع والمبدعين ومتابعاته الموصولة للشأن الثقافي وتحياتي وتقديري مجددا الى الأستاذ محمد القصير مدير الشّؤون الثقافيّة وإلي الشاعر الكبير محمد عبد الله البريكي مدير بيت الشّعر بالشّارقة علي ما يبذلونه من جهد من أجل الارتقاء بالمشهد الأدبي والشّعري في هذه الإمارة السّاحرة البديعة
– في نهاية هذا الحوار هل لديك ما تضيفه ولم نتطرّق اليه ؟
أريد أن أقول في خاتمة هذا الحوار اِنّ الشِّعر هو ديوان العرب الأوّل الذي تميّزت به أمتنا العربية منذ سالف العصور وهو النّبتة السّحرية التي تضيئ الرّوح والمصباح الذي يفتح أمامنا نوافذ الجمال والبهاء ومهما تطوّرت تكنولوجيّات الاتصال فانّ الشّعر لن يموت ولن يأفل نجمه أبدا .