ضمن أنشطته الشعرية المستمرة، أقام بيت الشعر بدائرة الثقافة في الشارقة في المقر الجديد مساء الخميس أمسية شعرية، شارك فيها الشاعر خالد الحسن، والشاعرة سارة الزين، والشاعر حسام شديفات، وقدمها الإعلامي أحمد شبيب، وحضرها الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير البيت، إضافة إلى جمهور من محبي الشّعر، والشعراء والنقاد والإعلاميين، الذين توافدوا من كل إمارات الدولة، واعتادوا أن يكونوا في الموعد، وأن تغص بهم القاعة، ليشاركوا الشعراء رحلة السفر نحو الدهشة بين دروب القصائد.
وبدأت الأمسية مع الإعلامي أحمد شبيب، الذي بارك المقر الجديد بقوله: يَسُرُّنَا أَنْ نُرْحِبَ بِكُمْ فِي هَذِهِ الْأُمْسِيَةِ الشَّعْرِيَّة الْمُمِيَّزَةِ، فِي بَيْتِ الشَّعْرِ بِالشَّارِقَةِ، هَذَا الصَّرْحُ الأَدَبِيُّ وَالثَّقَافِيُّ الَّذِي يَزْهُرُ بِفَضْلِ دَعْم وَرِعَايَة صَاحِبِ السُّمُوِّ الشَّيْخِ الْدَّكْتُور سُلْطَانِ بْنِ مُحَمَّدِ الْقَاسِمِيِّ،
عَضُوُّ الْمَجْلِسِ الْأَعْلَى ، حَاكِمُ الشَّارِقَةِ، حَفِظَهُ اللَّهُ وَرَعَاهُ،
الَّذِي لَطَالِمَا كَانَ وَ مَازَالَ رَمْزًا لِلْاِهْتِمَامِ بِالثَّقَافَةِ، وَالْفِكْرِ، وَالشَّعْرِ، وَجَعَلَ الشَّارِقَةَ حَاضِنَةً لِلإِبْدَاعِ وَالأَدَبِ الْعَرَبِيِّ الأَصِيلِ وَمَعْقِلًا لِلْعِلْمِ وَالثَّقَافَة.
افتتح القراءات الشعرية الشاعر الأردني حسام شديفات، الذي تتميز كتاباته بالعمق، والدخول في عوالم فلسفية تدعو إلى التأمل والتوقف، فقد افتتح ببيئته البدوية عبر نص حمل التجديد والتحليق، ومن نص “سيدة الرمل والموسيقى” قرأ:
لجالسةٍ في البدوِ تُحصي رُكامَها
وتطوي كَما تطوى السّنينُ لثامَها
كأنَّ بناتِ الرّيحِ يركُضنَ حولَها
وأنَّ اللّواتي منذُ عُمرٍ أمامَها
تَجاعيدُ خدّيها نُدوبٌ قديمةٌ
تُمرِّرُ فيهنَّ الحياةُ سهامَها
لَها قُبلَةٌ خضراءَ تَعرِفُ أنَّها
حَرامٌ ولكنْ ما ألذَّ حرَامَها!
ومن مذكرات ريفية قرأ كذلك تأملاته وتوصيفه لمشهدية ريفية معاشة منها:
في الرِّيفِ تختارُ الحقيقَةُ حَقلَها
حتّى يُعيدَ إلى المواسِمِ شكلَها
في الرّيفِ حيثُ الرّيحُ تعرِفُهُ
تُلاعِبُهُ وتُسميهِ الخُصوبَةُ طِفلَها
ولَدٌ مِنَ العَهدِ القديمِ مُسافِرٌ
لم يلمسِ الأشياءَ إلا بلّها
قدماهُ في حرِّ الشُّوارِعِ تركُضانِ
منَ الرّصيفِ إلى الظِّلالِ لعلّها
واللّيلُ فسحتُهُ الوحيدَةُ يَعصِرُ
القَمرَ، الكواكبَ والمَجرَّةَ كُلَّها
ثم قرأت الشاعرة اللبنانية سارة الزين، نصوصاً محلقة بلغتها، رشيقة بأدائها، آسرة بحضورها المسرحي، ومن نص “فوضى الشعر” قرأت:
يخافُ من الفوضى.. وفوضاهُ مسرَحُ
تؤسِّسُ للشعر الحديثِ وتسرَحُ
هو الآن فوقَ النصِّ يُشعِلُ زيتَه
ويجمع أنفاسَ المجازِ ويرشَحُ
تقدَّسَ فيه الضوءُ.. حتّى تنزّلتْ
أساطيرهُ الأولى، ووحيٌ مُجنَحُ
تقدَّسَ فيه الليلُ.. يعزِفُ ذنبَهُ
كأنّ غناءَ المذنبينَ موَشَّحُ
كما قرأت نصوصاً روحانية لامست فيها هموم الذات ووجع الأوطان، ومما كتبته “الضفة الأخرى” التي تقول فيه:
رواقُ عينيكَ لي مأوىً ومتّكأُ..
أقيمُ صرحي بمرساها.. وأتَّكئُ
آتي إليكَ بما في الروحِ من عطشٍ
ينتابني أرقٌ.. يغتالني ظمأُ
لا صوتَ يعبرُ هذا الوهْنَ في لغتي!
حتى صداكَ !.. على أبوابهِ صدأُ !!
ولا مكانَ لـ”بلقيسَ” التي كشفتْ
عن ساقها العرشَ حتى أُخضِعَتْ سبأُ
واختتم القراءات الشاعر العراقي خالد الحسن، رئيس نادي الشعر بالاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، والذي تتميز نصوصه بالإبحار في عوالم اللغة، متخذا من الخيال قاربه الذي يعبر به على موج الأحاسيس والفكر، متكئا على إرثٍ شعري خالد،فقرأ من سرة البدوي الذاتية:
قريباً من المعنى.. بعيداً عن القُرى
نما عطشُ العشاقِ في الرملِ أنهرا
يَشِدّونَ غيماتٍ إلى الأرضِ تنتمي
ويبكون في وجهِ اليتامى لتمطرا
وفي داخلي يأتونَ دمعاً إذا انحنى
على الروحِ قوسٌ للربابِ وكُسِّرا
أنا بدويٌّ، دلةُ القلبِ تسكبُ الـ
نهارَ لضيفٍ يقطعُ الليلَ مُقفرا
لذاكَ يجيءُ البنُّ عطراً وشمعةً
يمدانِ في الصحراءِ قلباً مُشَجَّرا
ومن تجلياته الروحانية نصه في المديح النبوي، الذي فاض على حروفه بمشاعره وأحاسيسه، وهو يعبر مكة لتزود منها سيرة عطرة فيقول:
وعلى يدي قلبي يقولُ ليَ: أقتبسْ
من حنطةِ البوحِ المؤجلِ بيدرا
قمْ للنبيِّ الفذِّ مثلَ مآذنٍ
شهقتْ لتعطيَ لليتامى سُكَّرا
قمْ واحتملْ طودَ الغيابِ وقلْ لهُ:
في غارِهِ كانتْ تحاولُهُ الذرى
مذ كانَ في أبويهِ ضوءاً.. (مكةُ)
ابتسمتْ فشدَّ على اليقينِ المئزرا
ورأى شعاعَ نبوةٍ.. إذ شمسُهُ
كانتْ تطوفُ بمهدِهِ لتبشرا
وفي ختام الأمسية، كرّم الشاعر محمد البريكي، الشعراء ومقدم الأمسية.