مقالات الرأى

مدحت عطا يكتب : الموت كمداً

“الكمد هو أحد أقوى مراتب الحزن البشرى”
سؤالى مباشر أبدء به مقالى لكل من يقرأ عنوانه هل فعلاً أن الحزن يَقتُلنا بهدوء؟ واليكم مشاهداتى لواقع هذا العنوان المؤلم لعل وعسى الأستفادة من تلك المشاهدات فيما هو قادم فلا نُقتل كمداً أو غيظاً أو حزناً…!!
المعنى السائد للكمد وهو الحزن الشديد كما ذكرت والحزن يتخذ أشكالاً متنوعة ومن مصادر مختلفةوأعنى هنا ان الحزن (الكمد)قد يكون فى الاسرة الواحدة بين الأب والابناء مثلاً حيث التفرقة التى تحدث أحياناً من الأب وتمييزه لأحد أبناءه دون الآخرين دون سبب مقنع أو واضح مما يجعل الآخرين من الأبناء فى حُزن عارم يصل إلى المرض وبالتالى إلى فقدان الروح فى بعض الأحيان…!!!
والقصص التى تُفيد أن الحزن قد يقتل صاحبه ليست فريدة من نوعها ونستطيع أن نرصد فى كتب التاريخ والتراجم العربية أن ضمن أسباب الموت عند العرب هو “الموت كمداً” ومن هؤلاء الذين ماتوا كمداً على سبيل المثال الإمام البخارى راوى الحديث الشهير الذى مات كمداً بسبب حسد منافسيه له وتضييقهم عليه فى نيسابور(مدينة شهيرة ب أيران) حسبما يذكر الحافظ أبن عدى الجرجانى في كتابه “ترجمة من روى عنهم البخارى”ومنهم أيضا الخليفة الأموى سليمان بن عبد الملك الذى مات حزناً على موت أبنه أيوب حيث توفى بعده بـ ٤٢ يوماً حسبما يوضح أبن أيبك الصفدى فى كتابه “الوافى بالوفيات”
ونستطيع أن نوضح إن الموت كمداً له علاقة بالحب ولهذه العلاقة قصص شهيرة نرصد أهمها وأول نمط مرصود من هذا الموت بدافع التعلق الشخصى والحب الأبوى هو الموت كَمَدًا على وفاة النبى ﷺ فلم تكن السيدة فاطمة الزهراء (ت 11هـ/633م) رضى الله عنها هى وحدها التى أختطفها هذا الحزن النبيل والتى توفاه الله بعد وفاة أبوها بستة شهور والتى أختفت ضحكتها تماماً بعد وفاة الحبيب رسول الله بل وقع ذلك لبعض الصحابة ممن شعروا بضيق الحياة بعد النبى ﷺ وهو ما يعكس عمق الأرتباط الروحى الذى قام بينه وبين صحابته وكان وراء ذلك التحول الحضارى من عناصر الحب والنخوة المستقيمة الذى عرفه مجتمع الجزيرة العربية بعد الرسالة النبوية الشريفة…!!!
وهناك نمط آخر من هذا الحب العجيب أشتهر به بعض أحياء العرب وهو “الحب العُذْرى” الذى يمتزج فيه العشق مع العفة وقد يؤدى مزيجهما إلى إنهيار للجسد لدى أحد طرفى العلاقة فيقع فريسة للموت كمداً!!
وهذا المصير من خصائص النفوس التى تتصف بالرومانسية المفرطة وماأصعب الموت كمدا مع هذا الصنف الإنسانى…!!!
وهؤلاء هم الذين يقومون بالتحلى بالفضائل والتحكم فى الغرائز والصبر على نحو ما لخّصته هذه العبارة “سلام الله على قوم عاشوا تجلداً وماتوا كَمَداً” وهى عبارة ساقها الإمام المحدّث أبن عساكر الدمشقى (ت 571هـ/1175م) فى تاريخ دمشق على لسان الفتاة الدمشقية الملقَّبةبـ«الذَّلْفاء» أى صغيرة الأنف والتى كانت جاريةً للخليفة الأموى سليمان بن عبد الملك (ت 99هـ/720م).
وهناك من الأسباب التى تدعو للموت كَمَدًا الأغتيال المعنوى وهو سلاح يلجأ إليه البعض من أجل تحطيم خصومهم بالإماتة التدريجية المُمَنهَجة والتى تقوم على تشويه السمعة وإثارة الشائعات المغرِضة ونقل الكلام بنظام العصفورة والدفع بالضحية نحو الشعور بالحزن الدائم حتى يُصبح عاجزاً عن أى تأثير فتُسَدّ أمامه الأبواب والمنافذ وتنطفى آماله فى أى إنصاف أو تغيير فلذا تذوى روحه مستسلمةً لنهايتها القدَرية وهو الموت كمداً وهذا النوع قد ينتشر فى أماكن العمل فتجد بعض المرضى من العاملين همه الوحيد الوصول إلى أماكن معينة أو التقرب إلى قمة السلطة حتى ولو كان على جثث الآخرين ونفسياتهم الذين ماتوا كمداً بسبب هؤلاء المرضى النفسيين وهذا التصرف من هؤلاء قد يكون مقصوداً أو العكس فى حالات نادرة فالكل يعرف ماذا يفعل؟ وماذا يريد ؟
وهناك قصص كثيرة وعظيمة تحكى الموت كمداً بسبب الحب العذرى فعفراء فتاة قبيلة بنى عذرة فرّقها أهلها عن حبيبها وأبن عمها عروة بن حزام وزوّجوها من رجلٍ شامى وحين أعلموها بوفاة عروة ظلت تنتحب
وتقول الشعر فى حالها حتى ماتت كمداً من شدة الحزن..!!
وأختتم مقالى بسؤال هل فعلاً الحزن والهم يجعلنا نصل إلى الموت كمداً…!!!
وسؤال آخر هام هل سيأتى يوماً فيه يُحاسب القانون كل من تسبب فى موت الكمد…!!!
والى مقال آخرى دمتم بخير وعافية

زر الذهاب إلى الأعلى