مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: النظرة للمشاهير

حين كنتُ صغيرًا قال لي يومًا أ.د/ “محمد رجب النجار” أستاذ الفولكلور _ رحمه الله _ (12 أغسطس 1941م _ 12 فبراير 2005م): (لا يغُرنك أن فلانًا مشهورًا؛ فالشهرة لا تعني عصمةً من الزلل، أو حصانةً من الخطأ، وربما إذا اقتربتَ من بعض المشاهير صُدِمتَ فيهم، فالصورة التي تراها من بعيد ليست بالضرورة هي الصورة الحقيقية، إذ تتغير الملامحُ أحيانًا)!!

إن الأحداث التي تمر بنا في حياتنا تجعلنا نعيد ترتيبَ أولوياتنا، وكذلك نظرتنا للناس وخاصة المشاهيرَ منهم، فنضع كلَّ فردٍ في حجمه الطبيعي، وتتحدد مكانته حسب مواقفه، وليس شرطًا أن يكون رأيُنا سليمًا، ومن الخطأ أن نُهيلَ الترابَ على شخصٍ لمجرد أننا اختلفنا معه أو أنه أخطأ، فالميزان به حسنات وسيئات، إلا أن هناك قضايا كبرى لا تقبلُ القِسمةَ على اثنين، قضايا كاشفة تأتي كل فترة ليعرفنا الله بها من هو النجم الحقيقي؟ من هو الذي يستحق النجومية؟! إنها قضايا تُغربل ليظلَّ من يستحق في سويداء القلب.

تقولُ الحكاية الشهيرة: (كانَ لرجلٍ أربعةُ أبناء،
أراد تعليمَهم شيئًا مِنَ الحِكمة، فأرسلهم فُـرادى على مدى الفصول الأربعة، إلى شجرةٍ كبيرةٍ في قريةٍ نائية، الابن الأكبر ذهب في فصل الشتاء، والثاني ذهب في الربيع، والثالث في الصيف، والأصغر في الخريف، جمعهم في نهاية السنة وطلبَ منهم أنْ يَصِفُوا له الشجرة، فرآها الأكبرُ شاحبةً جافة، بينما وصفها زائرُ الربيع بأنها غَنَّاءُ خضراء، وتغنَّى مرتحلُ الصيف برائحتها ونضارتها، فيما تحدث الابنُ الأصغر عن حُلوِ ثمارها، ولما انتهوا من الوصف، صادَقَ الأبُ على جميع كلامهم: كُلٌ منكم دقيقٌ في وصفها بالظرف الذي زارها فيه، فإذا كانَ كذلكَ حال الشجَر، فكيفَ بالبَشَر؟!
لا تحكموا على إنسانٍ في موقفٍ واحد، أو تجربةٍ مُنقطعة، الدنـيا فُصول، والناسُ أَطوار).

قد تجد مَن تُهاجمُ الرجالَ تتزوج مراتٍ ومرات، ومن يهاجم النساءَ كذلك!! من يكره جنسيةً بعينها يقع في شَرَكِ الحُب منها، من يتحدث عن الشجاعة جبانًا، من يتحدث عن الشرف والأمانة خائنًا، من يحاضر في التربية يضع أبناءَه في ملجأ!! ولعلنا نتذكر صورة لاعب القرن العشرين وصاحب هدف القرن، لاعب الكرة الأشهر الأرچنتيني “دييجو أرماندو مارادونا” (30 أكتوبر 1960م – 25 نوفمبر 2020م) في مونديال المكسيك (1986م)، إذ كُتِب على قميصه (لا للمخدرات)، وقد وقع في حبائلها!! ولاعب كرة القدم الفرنسي الشهير “ميشيل بلاتيني” (وُلِد في 21 يونيو 1955م) الحاصل على جائزة أفضل لاعب في العالم مرتين (1984م و 1985م)، والذي كُتِب على قميصه (لا للفساد) تم إيقافُه عن رئاسة الاتحاد الأوربي لكرة القدم بعد أن تسببتْ معاملاتُه مع (جوزيف بلاتر) الرئيس السابق للفيفا في جرِّه إلى خِضَمِّ فضيحةِ الفساد المالي التي ضَربتْ الاتحادَ الدوليَّ للعبة. وتمت معاقبة “بلاتيني” إلى جانب “بلاتر”!!

خلاصة الأمر: اسمعْ، واقرأْ كلَّ شيء، ولكن لا تُصدقْ كلَّ شيء!! وعليك أن تعرِفَ الرجالَ بالحق، لا أن تعرِفَ الحقَّ بالرجال، أَعْمِلْ عقلَك دائمًا، وراجعْ نفسَك، ولا تحكُمْ على أحدٍ حُكمًا نهائيًّا، فالصورةُ ليست دائمًا كما تبدو، والأمور ليست كما تظهر.

زر الذهاب إلى الأعلى