أخبار المحروسة

الدوحة تحتضن الدورة السادسة والعشرين لمجمع الفقه الإسلامي الدولي بمشاركة أكثر من 250 عالمًا وباحثًا

كتب حازم عبدة

0:00

شهدت العاصمة القطرية الدوحة أعمال الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، والتي انعقدت برعاية كريمة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر، خلال الفترة من 6 إلى 10 من ذي القعدة 1446هـ، الموافق 4 إلى 8 مايو 2025م.

وشهدت هذه الدورة العلمية الرفيعة تنظيم سبع جلسات علمية موسعة، ضمّت 186 بحثًا فقهيًا متخصصًا، وشارك فيها أكثر من 250 من العلماء والباحثين والخبراء في مجالات الشريعة والقانون والاقتصاد والطب والاجتماع، ضمن مسعى جماعي لإحياء الاجتهاد المؤسسي في قضايا العصر، ومقاربة التحديات المستجدة بمنهج تأصيلي مقاصدي.

وقد تميّزت الدورة بانفتاحها على قضايا الذكاء الاصطناعي، والحوكمة، والأمن الغذائي، والألعاب الإلكترونية،و صناعة المالية الاسلامية، في تأكيد جديد على قدرة الفقه الإسلامي على مرافقة تحوّلات العصر بموازين الاجتهاد الرشيد، وتفعيل فقه المآلات، وتحقيق المناط. من بين المشاركات اللافتة: أولاً: مداخلة الدكتور عباس عبد اللاه شومان
الموضوع: الألعاب الإلكترونية – أحكامها وضوابطها

أ. مضمون المداخلة:

تناول الدكتور شومان خطر الألعاب الإلكترونية من حيث التأثيرات العقائدية والسلوكية والنفسية، فاعتبر أنها تحوّلت من وسائل لهو بريء إلى أدوات اختراق ثقافي وعقائدي خطير، تتطلب تدخلًا فقهيًا حازمًا ومقاربات تشريعية وتربوية وقائية.

ب. أهم النقاط الموسعة:

التحذير من الرموز العقدية المنحرفة: كالألعاب التي تتضمن مظاهر شركية، أو شعارات دينية منحرفة، أو آلهة خيالية تُؤله ضمن اللعبة.
العنف والانتحار: ركّز على ألعاب مثل الحوت الأزرق وبابجي، محذرًا من قدرتها على دفع الشباب للانتحار أو التمرد السلوكي.
التكسب المالي المشبوه: بيع وشراء الشخصيات ونقاط القوة في الألعاب اعتبره نوعًا من التدليس والغرر، وهو محرّم شرعًا.
التمييز بين المباح والضار: دعا إلى تصنيف الألعاب بناءً على المحتوى لا على الوسيلة، فمنها ما يجوز ومنها ما يُمنع بحسب المقاصد والمآلات.
ج. أبرز تصريحاته:

“ليست كل لعبة حرامًا، ولكن كل لعبة تزرع الشرك أو تدعو للعنف هي سُمّ في جسد الأمة.”
“من الواجب الشرعي إصدار دلائل تربوية وإفتائية ترشد الأسر حول الألعاب المناسبة لأطفالهم.”
“السكوت عن بعض هذه الألعاب يُعد تفريطًا في حماية العقول الناشئة.”
ثانيًا: مداخلة الدكتور محمد بشاري
الموضوع: الألعاب الإلكترونية – أحكامها وضوابطها / الأغذية المعدلة وراثيًا

أ. مضمون المداخلتين:

قدّم الدكتور بشاري رؤية تأصيلية فقهية تنطلق من فقه المقاصد وتتواءم مع فقه الواقع، فركّز في مداخلته الأولى على الألعاب الإلكترونية، وفي الثانية على قضية الأغذية المعدّلة وراثيًا من أصل حيواني.

ب. التوسعة في مداخلة الألعاب الإلكترونية:

تصنيف مقاصدي دقيق: اقترح بشاري إنشاء مصفوفة فقهية لتصنيف الألعاب، تشمل: حماية الدين، النفس، العقل، المال، والعرض.
نقد الاستخفاف بالظاهرة: هاجم الفتاوى السطحية التي تبيح أو تحرّم دون دراسة للسياقات الاجتماعية والنفسية للألعاب.
اقتراح شراكة استراتيجية: دعا لتعاون بين المجامع الفقهية وشركات البرمجة لإنتاج ألعاب تعليمية بقيم إسلامية.
تحذير من “اللاوعي الرقمي”: أكد أن بعض الألعاب تُدخل الطفل في عالم موازٍ، يُعيد تشكيل وعيه وانتمائه دون رقابة أسرية.
ج. التوسعة في مداخلة الأغذية المعدّلة:

بيّن أن التحوير الوراثي في المنتجات الحيوانية يمسّ مباشرة باب الحلال والحرام، ويقتضي فحصًا دقيقًا للمصدر الجيني، ومدى تغيّر خصائص المادة، ومآلات الاستهلاك البشري.
أكد وجوب مراعاة قواعد التخلق، والاستحالة، وتحقيق المناط.
د. أبرز تصريحاته:

“الألعاب الإلكترونية تتحول من التسلية إلى منظومة قيمية كامنة، تحتاج إلى اجتهاد تأصيلي عميق.”
“تحوير الغذاء يتجاوز المختبر… إلى موائد المسلمين، فلا بد من اجتهاد وقائي وعلمي جماعي.”
“الرقمنة ليست قدَرًا مفروضًا، بل بيئة يجب أن نتفاعل معها بحذر ومسؤولية ووعي شرعي.”
ثالثًا: مداخلة الدكتور عبد الله مبروك النجار
الموضوع: الذكاء الاصطناعي – أحكامه، ضوابطه، وأخلاقياته

أ. مضمون المداخلة:

طرَح الدكتور النجار تصورًا تأصيليًا رصينًا يقوم على ضرورة إدماج الذكاء الاصطناعي في منظومة الفقه الإسلامي لا رفضه ولا التسليم له، مشددًا على خطورة التفريط في التقنين الشرعي لما قد ينتج عنه من فوضى قيمية.

ب. توسيع العناصر الفقهية:

الذكاء الاصطناعي كـ”نعمة مشروطة”: لا يُرفض من حيث المبدأ، ولكن يُنظَّر له بمنظور “فقه المصالح والمفاسد”.
اعتباره فرض كفاية: دعا إلى تعليمه ونقله ضمن العلوم الكونية الواجبة كفايةً لحماية الأمة من التبعية.
المسؤولية الشرعية على الفاعل البشري: البرامج لا تُحاسَب شرعًا، بل يُحاسَب مستخدموها ومبرمجوها، وهذا يدخل في باب التكليف والضمان.
التحذير من مسخ العلاقات الإنسانية: استخدام الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم والطب دون ضوابط قد يؤدي إلى “إنسان مفرّغ من العاطفة”، وهو أمر مخالف للفطرة والشريعة.
ج. أبرز تصريحاته:

“الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا، ولكن الجهل بضوابطه هو العدو.”
“البرمجيات لا تكلف شرعًا، ولكن مستخدميها ومبرمجيها يدخلون في حكم المكلَّفين.”
“الفقه مطالب بأن يكون فاعلًا في البرمجيات، لا متلقيًا سلبيًّا لمخرجاتها.”
خاتمة تحليلية:
تميزت مشاركات العلماء الثلاثة بـــ:

الاستحضار العميق للمقاصد الشرعية (الدين، النفس، العقل، المال، العرض).
الواقعية المنهجية في التعاطي مع الرقمنة لا رفضها المطلق.
الدعوة لاجتهاد جماعي مؤسسي يجمع بين الأصول والنوازل، وبين العلم الشرعي والعلم التجريبي.
وهذه المداخلات تُعد من أهم ما قُدّم في المؤتمر من اجتهادات، وترسّخ دور المجامع الفقهية في تأصيل الخطاب الرقمي الإسلامي، وتحويل التحديات التقنية إلى فرص إصلاحية.

زر الذهاب إلى الأعلى