ثقافة وابداع

خلال افتتاح مؤتمر “رقمنة الإبداع” “أبوظبي الدولي للكتاب” يناقش التحولات الرقمية في صناعة النشر

أبوظبي : علاء عبد الهادى

0:00

شهدت الجلسة الافتتاحية لمؤتمر “رقمنة الإبداع بداية عصر جديد” تأكيدًا على ضرورة الانتقال من الاستهلاك الرقمي إلى الإنتاج المعرفي، مع تبنّي الذكاء الاصطناعي أداة لدعم النشر وحماية حقوق المؤلفين، وناقش المتحدثون أهمية بناء منصات رقمية متطورة، ودعوا إلى تجاوز المخاوف التقليدية من الرقمنة، معتبرين أن الصناعات الإبداعية أصبحت ركيزة أساسية لاقتصاد المستقبل. واتفقت المداخلات على أن تجربة دولة الإمارات تمثل نموذجاً إقليمياً رائداً في حماية الملكية الفكرية، وتعزيز البيئة الرقمية الداعمة للإبداع.

جاء ذلك خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر “رقمنة الإبداع بداية عصر جديد”، الذي يستضيفه معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الـ 34، إذ الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية بالمشاركين والحضور، وأعرب عن أمله بأن يكون المؤتمر جامعاً للجهود، مطلقاً للمبادرات لأجل خدمة الإبداع العربي.

وشارك في الجلسة كلٌ من: الدكتور عبد الرحمن المعيني، الوكيل المساعد لقطاع الملكية الفكرية في وزارة الاقتصاد، وجفانتسا جوبافا، رئيسة الاتحاد الدولي للناشرين، ومحمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، وديميتر غانتشيف، نائب المدير ومدير أول قطاع حقوق المؤلف والصناعات الإبداعية في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، وأدارت الجلسة أميرة علي بوكدرة، رئيس مجلس إدارة جمعية الناشرين الإماراتيين.

قال الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية: “نحن أمام لحظة تاريخية فارقة في الثقافة العربية، الرقمنة لم تعد خياراً، بل أصبحت ضرورة حضارية، ومهمتنا في مركز أبوظبي للغة العربية أن نكرّس الجهود لدعم التحول الرقمي، ليس عبر الاستهلاك فقط، بل من خلال الإنتاج وإطلاق المبادرات المبتكرة”.

وتابع:” أطلقنا منصة خاصة خلال معرض أبوظبي الدولي للكتاب لدعم الإبداع بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، نعي حجم التحديات، ونعمل بشكل مستمر على تطوير مشروعات تدعم اللغة العربية والإبداع في البيئة الرقمية الجديدة، كما أننا نرى أن المشهد الرقمي في حاجة إلى جهود جماعية، ليس فقط على مستوى المؤسسات، بل على مستوى الأفراد أيضاً، ونعول على المبدعين والناشرين في العالم العربي أن يكونوا جزءاً من هذا التحول لا أن يقفوا مترددين أمامه”.

وأكد :” التكنولوجيا تقدم فرصاً عظيمة، والذكاء الاصطناعي يمكن أن يصبح شريكاً لنا في حماية الإبداع ونشره وتوسيعه إلى آفاق جديدة، والتحدي الأكبر ليس فقط في الأدوات، بل في إعادة تشكيل ذهنيتنا تجاه الثقافة، والإنتاج الثقافي، ونحتاج إلى وعي جديد يؤمن بأن المستقبل لمن يملك أدوات العصر الرقمي، مع الحفاظ على جوهر الإبداع العربي الأصيل”.

تعزيز الصناعات الإبداعية

من جهته، تحدّث عبد الرحمن المعيني الوكيل المساعد لقطاع الملكية الفكرية في وزارة الاقتصاد عن أهمية الملكية الفكرية في تعزيز الاقتصاد الرقمي. وقال: “حماية الإبداع كانت ولا تزال في صلب اهتمامات دولة الإمارات، سابقاً، كان التوثيق يعتمد على الإجراءات التقليدية الورقية، إذ يتم إيداع نسخ الأعمال الإبداعية في مستودعات رسمية، تُستخدم لاحقاً لحسم أي نزاعات”.

وتابع :” اليوم، ونحن نعيش في قلب الثورة الرقمية، أصبح لزاماً علينا توفير حلول رقمية تليق بسرعتها ودقتها. لذلك أطلقنا عبر معرض أبوظبي الدولي للكتاب منصة إلكترونية ذكية تتيح لصاحب أي مصنف إبداعي توثيقه والحصول على شهادة موثقة خلال أقل من ثلاث ساعات”.

وأكد: “الصناعات الإبداعية أصبحت ركيزة أساسية في اقتصاد الإمارات الجديد. نحن لا نتحدث فقط عن حفظ الحقوق، بل عن تمكين المبدعين وتحفيز الاقتصاد الإبداعي بوصفه جزءًا أساسياً من تنويع مصادر الدخل الوطني وبناء اقتصاد معرفي مستدام.”

الذكاء الاصطناعي “مفيد”

وقالت جفانتسا جوبافا، رئيسة الاتحاد الدولي للناشرين: “عالم النشر يشهد تحولات هائلة في ظل التقدم الرقمي. كثير من الناشرين يعملون بجد ويواكبون التحولات، لكن الطريق ليس سهلاً. الذكاء الاصطناعي يقدّم فرصة لا تقدر بثمن للناشرين، يمكننا توظيفه في التسويق الذكي، وتحسين إستراتيجيات التوزيع، ودراسة أنماط القراء، وحتى محاربة القرصنة”.

وتابعت: “صحيح أن الذكاء الاصطناعي قد يثير المخاوف، لكنه في الحقيقة شريك إستراتيجي يمكنه أن يمنح الناشرين أدوات قوية للوصول إلى أسواق جديدة وتنويع مصادر الدخل. مع ذلك، لا تزال هناك تحديات حقيقية خصوصاً في الأسواق التي تعاني القرصنة وضعف حماية الحقوق. لذا نحن نحتاج إلى تطوير البنية التحتية القانونية والتقنية لضمان أن الرقمنة تخدم الإبداع ولا تهدده.”

تعزيز الملكية الفكرية

وعن مستقبل النشر الرقمي في الدول العربية، تحدّث محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب بقوله : “الوضع في عالم النشر العربي يتطلب شجاعة وجرأة. صحيح أن جميع الدول العربية تواجه تحديات رقمية متشابهة، ولكن الحلول تختلف بحسب الإرادة ومدى الانفتاح على التغيير”.

وتابع: “لا يمكننا الحديث عن تطور في صناعة النشر من دون الحديث عن الابتكار الرقمي، ومع ذلك نجد أن معظم الناشرين العرب مترددون في اقتحام هذا المجال بسبب مخاوف مشروعة من القرصنة وضعف التشريعات في اتحاد الناشرين العرب نظمنا العديد من الندوات التوعوية، منها أكثر من 12 ندوة بالشراكة مع معرض فرانكفورت وغيره، ونعمل بشكل دؤوب على دفع الناشر العربي إلى تجاوز هذه المخاوف والاستفادة من الفرص الجديدة”.

وأضاف: “دولة الإمارات تعدّ اليوم نموذجاً متقدماً في حماية حقوق المؤلف، تليها المملكة العربية السعودية، وهو ما نطمح إلى أن يتوسع ليشمل كل العالم العربي.”

مستقبل اقتصاد النشر

وأكد ديميتر غانتشيف، نائب المدير ومدير أول قطاع حقوق المؤلف والصناعات الإبداعية في المنظمة العالمية للملكية الفكرية أن “الاقتصادات الخلاقة أصبحت جزءاً من نسيج حياتنا اليومية، ولم يعد الإبداع خيارًا إضافيًا، بل هو ضرورة اقتصادية وثقافية.

والنشر قطاع رئيس في هذه الاقتصادات، فهو يعزز الثقافة، يطور الفنون، ويدعم الهوية”.

واستدرك غانتشيف “يجب أن نتذكر أن الرقمنة ليست بحد ذاتها ابتكاراً؛ الابتكار الحقيقي دائماً يعود إلى الإنسان وإلى قدرته على تحويل الأدوات الرقمية إلى منصات لخدمة الإبداع الأصيل. لقد علمتنا كل الثورات الصناعية أن التقنيات وحدها لا تصنع التغيير، بل البشر هم الذين يحولون هذه الأدوات إلى قصص نجاح حقيقية.

لذلك، يجب أن تظل البشرية في مركز كل عملية رقمية، وأن نعيد دائماً التأكيد أن التكنولوجيا وسيلة وليست غاية.”

زر الذهاب إلى الأعلى