نجح فريق العمل من الباحثين من جامعتي Ludwig Maximilian و Tübingen بألمانيا بالتعاون مع المركز القومي للبحوث بالقاهرة، في التوصل إلى بعض من أسرار عملية التحنيط عند المصري القديم والمواد المستخدمة بها، وذلك من خلال تحليل البقايا العضوية التي تم العثور عليها داخل الأواني الفخارية المكتشفة بورشة التحنيط التي اكتشفتها البعثة الأثرية المصرية الألمانية برئاسة المرحوم الدكتور رمضان بدري، بسقارة عام 2018، وذلك ضمن مشروع مقابر العصر الصاوي.
صرح بذلك د. مصطفى وزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، مشيرا إلى أنه تم نشر نتائج هذه الأبحاث بمجلة Nature العلمية، مشيراً إلى ان البعثة عثرت خلال أعمالها علي أسماء البقايا العضوية المستخدمة خلال عملية التحنيط مكتوبة باللغة المصرية القديمة على سطح الأواني الفخارية، بالإضافة إلي أسماء الأعضاء وأجزاء جسد المتوفي والتي استخدمت بها تلك المواد العضوية أثناء مراحل عملية التحنيط.
قام فريق العمل من المتخصصين والباحثين بدراسة وتحليل البقايا العضوية الموجودة بالأواني المكتشفة من الورشة والتوصل إلى خصائصها الكيمائية في محاولة للوصول لآليات عملية التحنيط وأسرارها في مصر القديمة، وذلك عن طريق معرفة المواد التي استخدمها المصري القديم في حفظ الجسد البشرى، حيث تمكنوا من تحديد كل مادة وفقاً لطبيعة الجزء المستهدف من الجسد، حيث إنه ولأول مرة تجتمع ثلاثة معلومات مهمة عن عملية التحنيط في مكان واحد وهي المادة المستخدمة نفسها واسمها باللغة المصرية القديمة ومكان استخدامها، وهو الأمر الذي جعل معرفة طبيعية المادة أمراً مهما جدا.
وأكد د. مصطفى وزيري على أهمية هذا الكشف لأنه يساهم بشكل كبير في إعادة قراءة النصوص المألوفة عن التحنيط المصري القديم، حيث تمكن الفريق وللمرة الأولى بعد مقارنة المواد التي تم تحديدها مع ما هو مكتوب على الأواني من تحديد المادة المناسبة لتحنيط جزء معين من الجسم بدقة.
وقد أسفرت الأبحاث والدراسات إلى أنه تم استيراد عدد من المواد المستخدمة في عملية التحنيط من الخارج مثل منطقة البحر المتوسط، الغابات الاستوائية المطيرة، وجنوب شرق آسيا، الأمر الذي يشير إلى وجود صلات وتواصل بين تلك المناطق في تلك الفترة المبكرة.
ومن جانبها قالت د. سوزانا بيك نائب رئيس البعثة أن الأبحاث أظهرت أن الأواني التي استخدمت في عمليات التحنيط كان مكتوب عليها أسماء المواد التي كانت تحويها، وكذلك كيفية استخدامها مما ساهم بشكل كبير في معرفة أسماء الكثير من مكونات التحنيط، مشيرة إلى ان تحليل البقايا التي عثر عليها بالأواني تم عزلها جزئياً لتحديد مكوناتها الكيميائية، لافتة إلى أنه علي سبيل المثال مادة “عنتيو” والتي استخدمت وجاء ذكرها بكثرة في وصف عمليات التحنيط ، كان يتم ترجمتها علي أنها مادة الصمغ العطري، إلا أن نتائج الدراسة الحديثة أوضحت أنها عبارة عن خليط من زيت خشب الأرز وزيت العرعر (السرو) ودهون حيوانية. هذا وقد تمت الدراسة عن طريق استخدام تقنية كروماتوغرافيا الغاز، وقياس الطيف الكتلي للمواد المكتشفة.