تصدرت مدينة العلمين الجديدة المشهد العمراني والثقافي والترفيهي في مصر خلال الآونة الأخيرة باعتبارها أحد المدن الذكية التي تنتمي للجيل الرابع، لكن العلمين الجديدة تخفي وراءها تاريخًا طويلاً يمتد لآلاف الأعوام، وما بين قرية أثرية لم يبق منها سوى أطلال ومحطة فارقة على طريق ألغام الحرب العالمية الثانية تحولت إلى وجهة سياحية تتطلع للمستقبل بشكل مُبهر.
ظهرت العلمين كمدينة ساحلية رومانية قديمة تُسمي “ليوكاسبيس” وقد بلغ عدد سكانها قرابة 15000 نسمة آنذاك، كانت المدينة تضم كاتدرائية رومانية وقاعة كبيرة تم تحويلها إلى كنيسة، مثلت المدينة القديمة مركزاً تجارياً بين مدن مصر الهامة كالإسكندرية وبارتيليوم “مرسى مطروح” مرورًا بالهضبة الليبية وصولاً لكريت.
يعد المؤرخ والجغرافي والفيلسوف اليوناني استرابون (63 ق.م ـ 24م) أول من حدد الموقع الجغرافي للمدينة الرومانية “ليوكاسبيس” فضلاً عن مدينة “أنتيفيرا”، ويُفهم من أوصافه أنها تتطابق مع موقع العلمين، وذكر أن اسم “ليوكاسبيس” يعني “الدرع الأبيض” في اليونانية في دلالة للحاجز الرملي الأبيض للمدينة، وفي ترجمة أخرى باسم “الصدفة البيضاء”، حيث كانت تظهر أفروديت إلهة الحب والجمال عند اليونان، وهي خارجة من تلك الصدفة البيضاء.
وذكر استرابون بعض الموانئ الصغيرة الممتدة على الساحل، مثل “ليوكي أكتي ـ مدينة رأس الحكمة”، وميناء “رزفيريون ـ مدينة الضبعة”.
اعتقد بعض المؤرخين أن كلا الاسمين “ليوكاسبيس” و”أنتيفيرا” يُشيران إلي نفس الموقع لكن في فترات تاريخية مختلفة، ففي البداية كانت تُسمي “ليوكاسبيس” ثم “أنتيفيرا” فالأولي وُجدت في المصادر الهيلينستية والرومانية حتى منتصف القرن الثاني الميلادي ثم اختفت، ثم ذكر فقط نوع من المواني المستقلة، والذي ضم بعد ذلك إلى قرية “أنتيفيرا” لتكوين المدينة الجديدة والتي استمرت حتى القرن السابع الميلادي.
تذكر المصادر أن المنطقة كانت فيما مضى ميناء لتصدير الغلال والحبوب في زمن الإمبراطورية الرومانية وخاصة القمح، فضلاً عن الزيتون والنبيذ حيث انتشرت العصارات بكثافة هناك، ولسبب هُجرت المدينة فجأة، وظلت أطلالها مندرسة تحت الرمال حتى كُشف النقاب عن أطلالها عام 1986م، بواسطة بعثة أثرية مصرية ـ بولندية ـ أمريكية مشتركة للتنقيب عن الآثار مع بداية اهتمام الدولة بتعمير الساحل الشمالي الغربي.
لماذا سُميت العلمين بهذا الاسم؟
سُميت العلمين بهذا الاسم لوجود المدينة بين جبلين، هما (جبل الملح وجبل الطير)، ويذكر ياقوت الحموي (ت626هـ/1229م) في موسوعته الجغرافية “معجم البلدان” أن اسم “العلم” يُطلق على الجبل في لغة العرب، وجمعه الأعلام، حيث تقول الشاعرة الخنساء في رثاء أخيها صخر:
إن صخرًا لتأتم الهُداة به ** كأنه علمٌ في رأسه نار
وكانت العرب تشعل النيران على رؤوس الجبال ليلاً إذا ما أرادت الاجتماع للحرب، مثلما فعلت قبائل ربيعة يوم خزاز (من أيام العرب في الجاهلية) حينما اجتمعت في حربها على تُبع اليمن، فأوقدت نيرانها على رأس جبل خزار ليلاً، وفي ذلك يقول الشاعر السفاح التغلبي:
ولَيلَة بِتُّ أوقِدُ في خَزازى ** هَدَيتُ كَتائِباً مُتَحَيِّراتِ