مقالات الرأى

د. غلاب الحطاب المحامى يكتب: كتاكيت

0:00

يدخل الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على قطاع غزة في أيامه العشرة الأول بعد المائة ، وتثير طول المدة التي استغرقتها إسرائيل حتى الآن في قتل الأطفال والنساء فضول بعض محبي الشعارات والإحصاءات فيقول البعض أن هذه أطول حرب خاضتها إسرائيل في تاريخها ، ويقول البعض أن هذه الأعداد هي الأكبر في تعمد قتل الأطفال وقصف المستشفيات واهلاك الحرث والنسل إلى آخر تلك الإحصاءات والأمثال والقصص ، وأنا في الواقع غير مهتم بتلك الإحصاءات ولا الشعارات والمقولات ، ولست مهتما أيضا بالأخبار ولا القصص ، أنا مهتم بالنتائج وكما تقول القاعدة الأصولية ليست العبرة بالألفاظ والمباني وانما العبرة بالمقاصد والمعاني ، دعوني هنا أضرب مثلا بسيطا : لو ان عندنا ميزان له كفتان وضعنا في الكفة الأولى مائة كيلو جرام ووضعنا في الكفة الثانية نصف كيلو جرام فأي الكفتان سوف ” يطب ” وأيهما سوف يرتفع ؟ الإجابة معروفة بكل تأكيد أن المائة كيلو جرام ” تطب ” وأن النصف كيلو سوف ترتفع ، حسنا فإذا وجدنا أن النصف كيلو جرام هي التي ” تطب ” وأن المائة كيلو جرام هي التي ترتفع فماذا نتوقع ؟ بكل تأكيد نتوقع أن أحدا له قوة اكبر من المائة كيلو جرام جاء من اسفل الميزان ورفع النصف كيلو الى اعلى .
دعونا من كل تلك القصص التي لا ” تأكل ” معي كحقوقي مهنتي النفاذ الى الحقيقة وليس ” أكل الحلاوة ” ، إن إسرائيل بكل تأكيد وبما لا يدع عندي مجالا لأي شك لا تريد أن تحرر الرهائن وان إسرائيل بكل تأكيد وبما لا يدع عندي مجالا لأي شك لا تريد ان تدمر الأنفاق وان إسرائيل لا تريد ان تعتقل أيا من قادة حماس وان إسرائيل لا تريد من تلك الحرب إلا شيئا واحدا هو طرد اهل غزة من أرضهم وتهجيرهم خارجها ، وانا هنا مستعد لمناقشة أي خبير عسكري أو استراتيجي في مسألة مائة وعشرة أيام من القصف المستمر ليلا ونهارا والتوغل الذي لا يتوقف ليلا ونهارا في هذه المساحة الصغيرة التي لا يتجاوز عرضها ستة كيلو مترات يعيش سكانها بين البحر أمامهم والعدو من ورائهم لا يملكون مأوى ولا طعام ولا وقود ، فماذا تريد أي قوة معادية في العالم ظروفا افضل من تلك لتحرير رهائنها وأسر قادة عدوها وتدمير كل شيء فيها ، إن المؤامرة التي نسجها اليهود من قبل هجوم السابع من أكتوبر بعد أن علموا به فتركوا حماس تمر وتركوا الأهالي تمر ولم يكن باقيا سوى أن ينادي الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة ” يا أهالي قطاع غزة لقد سقط الجدار فمروا الينا واقتلونا لأننا في جيش الدفاع لن نأتي إلا بعد عشر ساعات بل سنقوم بمساعدتكم بقصف الحفل الموسيقي و كل البيوت التي تدخلونها مع استعدادنا لتقديم المشروبات والعصائر لمن يمر منكم الينا ” ، هذه الفكرة التي سيطرت على العقلية الإسرائيلية قبل هجوم السابع من أكتوبر لتضخيمه وتصويره وتسويقه للعالم ليس من أجل قتل قادة حماس التي تعرف إسرائيل بكل تأكيد أين هم ولا من أجل تحرير الرهائن الذين ليس عندي شك ان إسرائيل تعرف اين هم ولا لتدمير الأنفاق التي تعرف إسرائيل الف طريق وطريقة لتدمير معظمها إن لم يكن كلها أو تعطيلها على الأقل .
دعونا نتعامل مع الواقع لا مع الفيديوهات التي ينقلها الصحفيون والمراسلون ، إن مقاومة حماس لإسرائيل على هذا النحو الذي رأيناه على مدار مائة وعشرة أيام هو امر مستحيل جملة وتفصيلا وهنا أنا لا أشكك في التضحيات التي قدمها شعب غزة ومقاومته بل هي عندي محل احترام وتقدير الى ابعد مدى وانما أنا انظر هنا في داخل العقلية الإسرائيلية لأقرا ماذا تريد من تلك الحرب ليس فقط الآن وإنما من قبل أن تبدأ ، إن حماس ليست الإتحاد السوفييتي ولا الصين الشعبية وإن الجيش الإسرائيلي وعلى مدار عشرين عاما الآن تقع كل خططه وتدريباته واسلحته لهدفين اثنين لا ثالث لهما مواجهة صواريخ حزب الله في الشمال واجتياح قطاع غزة في الجنوب ، وان تحرير الرهائن أو اعتقال قادة حماس سوف يضع نهاية منطقية للحرب وإسرائيل لا تريد أن تضع تلك النهاية المنطقية وانما تريد شيئا مختلفا عن ذلك أظهرت نيتها بالنسبة له وهو طرد الفلسطينيين من القطاع تمهيد لطرد الفلسطينيين من الضفة بعد ذلك .
إن تلك الحرب تذكرني بمشهد سينمائي قديم للفنان عبد الفتاح القصري وقد ذهب لزيارة صديقة له لأهداف غير بريئة وكانت قد اتفقت مع آخر على أن يقوم بدور أخيها الذي يقيم معها وتصيبه حالة جنون كل عام مرة واحدة وما أن دخل القصري الى البيت وبدأ يلاطفها حتى ظهر اخيها الذي جاءته الحالة فقط في تلك الليلة وبدأ يطلب منه دبابات وصواريخ وهى رموز للعملات الورقية فئة العشرة جنيه ولما نفدت صواريخه بدأ يقول ” كتاكيت كتاكيت ” يقصد بها العملات المعدنية الصغيرة كالمليم والقرش ولكنه في غمرة سعادته بالنقود قال ” غير القرش ده لأنه براني ” فتساءل القصري وهل يعرف المجنون البراني من الميري فلما فهم اللعبة نكش شعره وصرخ فيها وفيه ” دبابات دبابات ” ” صواريخ ” ” كتاكيت ” واسترد ماله وقال لهم وهو على الباب هاربا ” ما فأستها يا كروديا “

زر الذهاب إلى الأعلى