مقالات الرأى

ياسين غلاب يكتب : مصر وانتزاع حق التنمية والتقدم

0:00

منذ القدم كانت ولا تزال مصر وأعدائها يمثلان طرفي عقدة ثيوقسيدس الذي تحدث عنه عالم السياسة الأمريكي جراهام تي إليسون لوصف نزعة واضحة للحرب عندما تهدد قوة صاعدة قوة عظمى مهيمنة إقليميا ودوليا. كانت مصر ولا تزال تمثل النموذجي الحضاري المتقدم وكلما كانت مصر قوية؛ كانت حروبها دفاعية تمتد إلى خارج أراضيها؛ وكلما وهنت؛ هددها أعداؤها بالإغارة والاحتلال لمنع بعثها من جديد. الآن يتكرر فخ ثيوقسيدس بين أمريكا والصين بعد أن تكرر كثيرًا على طول التاريخ. فأين موقع مصر من هذه العقدة الآن في ظل هذا الصراع المحتدم؟
يتمثل جوهر الصراع الحالي بين الصين القوة الصاعدة التي تهدد أمريكا القوة العظمى المهمينة إقليميا ودوليا في التمدد الصيني الاقتصادي والتكنولوجي الكبير. ذراعا القوة الصينية أو أذرعها على وجه الحقيقة هو طرق الحرير أو مبادرة الحزام والطريق التي تريد الولايات المتحدة قطعها أو وقفها عن التمدد إلى أوروبا عن طريق أوروآسيا أو إلى أوروبا وأفريقيا عن طريق الشرق الأوسط وقناة السويس؛ أو ما يسمى بمعركة البحر ضد البر حيث هيمنت بريطانيا على كل المضائق والممرات البحرية فصارت تلك الجزيرة الصغيرة إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس وتبعتها الولايات المتحدة في نفس نهجها القديم وتوسعت بـ 800 قاعدة برية وبحرية فكانت لها القوة العظمى بجانب عوامل أخرى.
ربما استطاعت الولايات المتحدة مؤقتا تجميد طريق الحرير الذي يمر عبر أورواسيا إلى أوروبا من خلال إشعال الحرب الروسية الأوكرانية أو الحرب الروسية الغربية. وعندما فشلت واشنطن في إيقاف طريق الحرير الذي يمر عبر الشرق الأوسط إلى أوروبا وأفريقيا – حيث فشلت الحرب على سوريا وقضت مصر على المشروع الإخواني الكبير- تقترح الولايات المتحدة الآن الدخول في البنية التحتية لدول الخليج بخطوط سكك حديدية لقطع الطريق على الصين وفقا لموقع جلوبال تايمز.
الآن تحاول مصر استدراك ما فاتها وتجنب شراك الماضي التي أوقعتها فيها القوى المتصارعة على الهيمنة؛ إما للسيطرة عليها مرة أخرى أو حصارها وحصار نفوذها؛ وأحيانا كثيرة بالتدخل الخشن لإيقاف تقدمها. لهذا كان يتعجب البعض ويملأ شبكات التواصل اللااجتماعي ضجيجا من قيام مصر بتعزيز قوتها العسكرية في خضم محاربتها لطوفان الإرهاب وغرقها في معركة التنمية. لم يدرك هؤلاء أن المعركة واحدة بل إن وجود القوة العسكرية اللازمة هو ما يجعل مصر تستطيع أن تتصدى للإرهاب وتدحره ويجعلها تنتصر في معركة التنمية دون تهديد مباشر أو غير مباشر. تجنبت مصر التورط في الصراعات العسكرية في المنطقة وأقامت قواعد مجدها لحراسة حدودها من كل الجوانب. هنا يمكن أن نقول أن مصر بهذه الاستراتيجية استطاعت أن تنتزع حقها في التنمية والتقدم فالضعفاء لا حق لهم في التنمية.

زر الذهاب إلى الأعلى