مقالات الرأى

محمد امين المصري يكتب : في انتظار خليفة رئيسي

لن تمر واقعة موت الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان وأخرون معهما في حادث سقوط الطائرة الهليكوبتر التي كانت تقلهم، مرور الكرام رغم ما أبدته الدولة الإيرانية الرسمية من هدوء في التعامل مع تداعيات الحادث الخطير، الذي يصعب تصنيفه في الوقت الراهن على أنه حادث مدبر سواء من قبل حكومة طهران نفسها أو إسرائيل. والمقصود بحكومة طهران ليس حكومة رئيسي ولكن حكومة الدولة العميقة في إيران وهي دول الملالي والحرس الثوري اللذين يديران إيران داخليا وخارجيا.
يتعلق مستقبل الوضع السياسي في إيران بعد وفاة رئيسي، بعدد من العوامل التي ستؤثر على المشهد السياسي في البلاد، منها خلافة السلطة وهل تكون هناك عملية انتقالية للسلطة من الرئيس الراحل إلى من سيخلفه. هذه العملية قد تشهد منافسة بين مختلف التيارات السياسية في إيران للتأثير على اختيار الرئيس الجديد، في ظل أن الرئيس الراحل كان ضمن غلاة المحافظين ولكنه يتسم بليونة في التعامل مع القضايا الخارجية والدولية خاصة الملف النووي.
ومما لا شك فيه أن التوازنات بين التيارات المحافظة والإصلاحية ستلعب دورا محوريا في تشكيل السياسات الجديدة، وذلك بسبب أن الحفاظ على الخط السياسي الراهن أو التحول نحو إصلاحات أكثر، ربما سيكون موضع جدل بين مختلفة التيارات النشطة في إيران.
ننتقل إلى العامل الأهم إقليميا ودوليا، وهو ما يتعلق بتلك العلاقات، فحادث وفاة رئيسي المفاجئ قد يفتح الباب لإعادة النظر في السياسة الخارجية الإيرانية، وربما تؤدي إلى مبادرات جديدة للحوار مع الجهات الإقليمية والدولية.
هذا بالإضافة إلى القضايا الاقتصادية الشائكة ، مثل التضخم والبطالة والعقوبات الدولية، فهي من التحديات الرئيسية التي يواجهها الرئيس الجديد.
بشكل عام، من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة ديناميكية سياسية مكثفة في إيران، مع احتمال حدوث تغييرات في السياسات الداخلية والخارجية للبلاد. ولكن ستكون طبيعة هذه التغييرات وشكلها موضع نقاش وتنافس بين مختلف القوى السياسية.
وهنا نعرج إلى تداعيات العلاقات الإقليمية والدولية التي قد تتأثر بتغير السياسة الخارجية الإيرانية في المرحلة المقبلة، ويأتي على رأسها العلاقات مع دول الجوار، مثل السعودية ومعها الدول الخليجية، فهذه العلاقات قد تشهد المزيد من التطورات الإيجابية خاصة بعد خطوة المصالحة وتطبيع العلاقات بين السعودية وإيران وما تبعها من خطوات إيجابية أخرى من جانب الدول الخليجية، لتنتهي معها فترة طويلة من القلق والتوتر الإقليميين.
وتنتظر تركيا بفارغ الصبر معرفة الرئيس الجديد، فالعلاقات مع أنقرة قد تشهد مزيدا من التنسيق والتعاون في القضايا الإقليمية، خاصة ما يتعلق بسوريا والعراق.
أما العلاقات مع دول الجوار كالعراق وسوريا، فهي لن تتأثر كثيرا بموقف الرئيس المقبل، لأن العلاقات تشهد دوما تعزيزا للتعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.
أما المتغير الأقوى سيكون مع شكل العلاقات مع القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وإيران تنتظر بفارغ الصبر نجاح مسعاها لإعادة إحياء الاتفاق النووي وتخفيف التوتر. ويلي ذلك علاقات طهران مع مع روسيا والصين، والتي قد تحظى بمزيد من التعزيز في ظل استمرار التحالفات الاستراتيجية القائمة.
نصل إلى مكون مهم في مضمون وشكل العلاقات الإيرانية مع قضية فلسطين ولبنان، فالثابت في السياسة الإيرانية هو إبداء كل الدعم لقضايا لبنان وفلسطين، لكن الكل ينتظر كيف يكون شكل هذه العلاقات مستقبلا، هل يستمر الدعم القوي السياسي والعسكري والمالي لحزب الله؟..وكذلك الدعم نفسه للقضية الفلسطينية وحماس خصوصا في الحرب الإسرائيلية الغاشمة الحالية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، فموقف الرئيس الراحل كان مائعا بخصوص الدعم القوي لحماس وشبه تراجعت طهران تماما عن التأييد القوي لأنصار حماس في تلك الحرب، ربما رأت إدارة إبراهيم رئيسي الابتعاد نوعا ما عن هذه الحرب حتى تتجنب حربا مباشرة مع إسرائيل، وتكتفي بحروب الظل القائمة بين الطرفين كما لوحظ مؤخرا.
هذا الحديث يتعلق بالوضع الآني وليس بعيد المدى، ولكن الوضع المؤجل فهو شكل العلاقات المتوقع بين إيران والولايات المتحدة في ظل انتخاب رئيس إيراني جديد، وقرب انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهل يستمر الرئيس جو بايدن ام يتم الإطاحة به لصالح منافسه الجمهوري دونالد ترامب المعروف عنه تطرفه في العلاقات حيال إيران وتعصبه لكل ما هو إسرائيلي، وهو ما نتحدث عنه في وقت لاحق بجانب شكل الخلافات المستقبلية مع إسرائيل.

زر الذهاب إلى الأعلى