مقالات الرأى

محمد عبد النور يكتب : فخ الأموال الساخنة

0:00

لم تك هناك وسيلة و لا قرار يتفادى تعرض الجنيه المصرى لهذا الانهيار فى قيمته كعملة أمام الدولار وغيره من العملات المعتبرة، فكل المقدمات كانت تؤدى بالضرورة الى هذه النتيجة اذا اخذنا المسارات التى اعتمدها الاقتصاد المصرى و على رأسها الاندفاع وراء الاموال الساخنة و التى وصلت الى 30 مليار دولار ، و كنت قد أجريت حوارا صحفيا مع الاقتصادى الكبير ’’ شريف دلاور ’’ نُشر فى مجلة صباح الخير قبل ثلاثة سنوات ، حذر فيه ’’ دلاور ’’ من الأموال الساخنة التى تهرب فى اى وقت ، بينما اكد دعمه الكامل لتحرير سعر الصرف فى 2016 و اعتبرها دفعة جبارة للاقتصاد ، كما لم يشعر بالقلق من ارتفاع قيمة الديون الخارجية لطول فترات سدادها و واقعية نسبة فائدتها، و لكنه طالب فى هذا الوقت بضرورة الحفاظ على الرصيد من احتياطى العملة الأجنبية.
بالطبع لم تك جائحة كورونا قد بدأت بكل تأثيرها على الاقتصاد العالمى ، و لم يك الفيدرالى الأمريكى قد اندفع لرفع أسعار الفائدة على الدولار بأرقام لم تحدث فى تاريخه لعلاج التضخم ، و لا كانت الحرب الروسية الاوكرانية قد نشبت ، فهربت الأموال الساخنة فورا بما يتجاوز ال 20 مليار دولار فجفت السيولة الدولارية النقدية و اصبح ما كان متاحا من قبل مستعصيا الان ، فى الوقت الذى ظلت فيه ارقام نمو الإنتاج الزراعى و الصناعى بائسة ، و بقيت فاتورة الاستيراد فى أرقامها المذهلة بينما ظلت فاتورة التصدير عند ارقامها الهزيلة، و احتُجزت المواد الخام و السلع السوقية فى الموانئ انتظارا للفرج الدولارى.
و فى النهاية وصل الجنيه المصرى الى قيمة هى قيمته الحقيقية المتداولة الان على شاشات البنوك يوميا ، و يخوض البنك المركزى معركة حقيقية للحفاظ على الجنيه المصرى من شياطين السوق السوداء ، فى الوقت الذى نكافح فيه جميعا للتعايش مع هذا الارتفاع المؤلم لتكلفة تفاصيل الحياة اليومية تحت وطأة دخول محددة ليس أمامها فرص ارتفاع أو نمو مع هذه الارتفاعات اليومية فى الاسعار ، و من هذا الباب تأتى الأهمية القصوى لبرامج الحماية الاجتماعية مع التدخل الحكومى بمحاولات زيادة العرض للسلع و بقيم مخفضة ربما تستقر الأسعار ، و برامج تكافل و كرامة و غيرها من برامج الحماية الاجتماعية ،و هى محاولات محمودة بلا شك.
و لكن ليس كل قطاعات المواطنين تندرج تحت مظلة تكافل وكرامة ، فالأزمة طالت كل طبقات المصريين الاجتماعية ، و لا أتحدث هنا عن الأغنياء جدا ، و لكن عن الطبقة المتوسطة من موظفى القطاعين العام و الخاص و التى تآكلت قوتها الشرائية الى حد مرعب بعد أن أصبح مدخولها حتى و لو تجاوز العشرة آلاف جنيه شهريا لا يكفى المتطلبات الأساسية ، فما بالنا بأصحاب المعاشات و احتياجاتهم الإضافية من علاج و دواء ، وهو ما يستوجب من الحكومة إعادة نظر و بسرعة فى زيادة مؤثرة للمرتبات والمعاشات ، زيادة تحاول التناسب مع انخفاض قيمة الجنيه وارتفاع الأسعار.
تجنب الوقوع فى فخ الأموال الساخنة مع التوسع المطلق فى برامج الحماية الاجتماعية لكل الطبقات أمر لا مفر منه الى ان تمر الازمة و دوران عجلة الاقتصاد فى مسارات طبيعية تعتمد على تحركات عملية لزيادة الانتاج الصناعى والزراعى بشكل مؤثر دون قيد او شرط.

زر الذهاب إلى الأعلى