دراسات علميةعيادة مصر الآن

إلى أين وصلت رحلة البحث عن منشأ فيروس كورونا؟

كتب - عبدالفتاح منصور

لم يحدّد العلماء بعدُ المنشأ الذي انطلق منه كوفيد-19 قبل سنوات متسبباً في أسوأ جائحة يشهدها العالم منذ أكثر من قرن .. عُثر على بعض من أقرب الفيروسات ذات الصلة بالفيروس المسبب له ، وهو “سارس-كوف-2” في الخفافيش على بعد 1600 كيلو متر تقريباً من مدينة ووهان في وسط الصين ، حيث ظهر المرض في أواخر عام 2019.
في بادئ الأمر رُبط بين حالات الإصابة وسوق للأطعمة الطازجة وربما الحيوانات البرية التي تُباع هناك ، سلّط تحقيق في أوائل 2021 الضوء على احتمال أن يكون بعض الثدييات ناقلاً للفيروس، إذ تنقله من الخفافيش إلى الإنسان .. ويوجد مزيد من النظريات ذات الأبعاد السياسية ، إحداها أن الفيروس تسرّب بطريق الخطأ من مختبر أبحاث قريب ، وهي فرضية أكّدها مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) في فبراير.
تشير نظرية أخرى إلى أن “سارس-كوف-2” دخل الصين من بلد آخر عن طريق استيراد أغذية مجمدة. ووسط كل النظريات والاحتمالات ، تتّفق الحكومات والعلماء على أن فك شفرة نشأة الفيروس ، أمر أساسي للحَدّ من مخاطر الأوبئة وأي جائحة في المستقبل.
1) لماذا لا نعرف منشأ الفيروس تحديداً؟
قد يكون من الصعب إن لم يكن مستحيلاً، تحديد أين ومتى وكيف يبدأ العامل الحيوي المسبّب لمرض ما في الانتشار بين البشر. ورغم أن “سارس-كوف-2” يشبه جينياً فيروسات كورونا التي جُمعت من الخفافيش، فقد يكون اتبع مساراً معقداً إلى ووهان، المدينة التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة .. يتتبع العلماء أقدم الحالات المعروفة، لكنهم يفقدون المسار ، ويتوه منهم الأثر إلى حدّ بعيد لدى وصولهم إلى أوائل ديسمبر 2019 فمكان انتشار مرض جديد ليس بالضرورة هو ذاته الذي انتقل فيه من مملكة الحيوان أو أصاب الإنسان للمرة الأولى فعلى سبيل المثال ، يُعتقد أن فيروس “HIV” المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب (إيدز) نشأ بحيوانات الشمبانزي في جنوب شرق الكاميرون.
“الصحة العالمية” تعلن اقتراب نهاية الوباء والصين تشدّد سياسة “صفر كوفيد”
لم يبدأ الإيدز الانتشار بسهولة بين الناس حتى عشرينيات القرن الماضي، عندما وصل إلى مدينة كينشاسا على بعد مئات الأميال. أفاد العلماء بهذا الاكتشاف في 2014، بعد نحو ثلاثة عقود من التعرُّف عليه.
2) من يبحث وراء الموضوع؟
طُلب من منظمة الصحة العالمية في مايو 2020 المساعدة على تحديد المصدر الحيواني للفيروس، وكيفية انتقاله إلى البشر. وشكلت المنظمة فريقاً من 17 عالماً دوليّاً، أحدهم مقيم في الولايات المتحدة، ليشرعوا في مهمة مشتركة على مدى أربعة أسابيع مع 17 باحثاً من الصين نُشرَت النتائج التي تَوصَّلوا إليها في تقرير مشترك في مارس 2021. وبعد سبعة أشهر شكلت المنظمة مجموعة استشارية علمية أكثر ديمومة للتعامل مع القضايا المتعلقة بمنشأ كوفيد والتحقيقات المستقبلية في هذا الإطار. أصدرت اللجنة تقريراً أولياً في يونيو 2022 يحدّد سير العمل، ولاحظت بيانات رئيسية لم تكُن متاحة للوصول من أجل فهم كامل لكيفية بدء الجائحة.
دعا المدير العامّ لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الصين مراراً وتكراراً إلى زيادة التعاون في البحث عن منشأ الفيروس، وبعث برسائل إلى قادتها، ومنهم رئيس الوزراء لي كه تشيانغ ووزير الصحة ما شياو وي، طلباً لمزيد من المعلومات. يقول المسؤولون الصينيون إنهم يشاركون في عمل يستند إلى أساس علمي، ويتبادلون المعلومات مع منظمة الصحة العالمية. ويحقّق عديد من وكالات المخابرات الأميركية في الأمر.
3) ما فرضيات ظهوره؟
تمحور الجدل حيال أول ظهور لـ”كوفيد” حول فكرتين متنافستين: تَسرُّب عرَضيّ من مختبر وانتقال من الحيوانات ويُتفَق عالمياً على أن الفيروس لم يكن جزءاً من برنامج أسلحة بيولوجية ونُشر عمداً.
وضع العلماء المشاركون في البعثة التي تقودها منظمة الصحة العالمية لعام 2021 أربعة سيناريوهات وفقاً لدرجة الاحتمالية:
من محتمَل إلى محتمَل للغاية: انتشار الفيروس عبر أنواع مضيفة “وسيطة”.
من ممكن إلى محتمَل: انتقل الفيروس إلى البشر مباشرة من مستودع حيواني.
ممكن: تسلل الفيروس عبر السلسلة الغذائية عن طريق طعام ملوث أو التغليف.
غير محتمَل للغاية: ظهور الفيروس نتيجة حادثة متعلقة بمختبر.
ما أكثر الاحتمالات المرجحة إذاً؟
قالت ماريتجي فنتر رئيسة المجموعة الاستشارية العلمية التي تقودها منظمة الصحة العالمية وعالمة الفيروسات في جامعة بريتوريا في جنوب إفريقيا، للصحفيين في 2022 إن أقوى دليل لا يزال هو “انتقال العدوى عن طريق الحيوان”. وهذا يتفق مع آراء 20 من كبار العلماء، ومن بينهم جيريمي فارار، مدير “ويلكم ترست” (Wellcome Trust)، وخوان لوبروث، كبير الأطباء البيطريين السابق في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، وهي الآراء التي عبّروا عنها في رسالة لدورية “ذا لانسيت” في 2021. و”سارس-كوف-2″ هو تاسع فيروس تاجي موثق يصيب البشر، والسابع الذي تسنّى تَعرُّفه في العشرين عاماً الماضية وجميع فيروسات كورونا البشرية السابقة لها أصول حيوانية المصدر ، وقالت مجموعة من العلماء الذين يدرسون تطور الفيروسات إن ظهور فيروس “سارس-كوف-2” يحمل عديداً من سمات الوقائع السابقة لانتقال الفيروس إلى الإنسان عن طريق الحيوان، ولا سيما فيروس “سارس”، الذي انتقل إلى البشر في منطقتين من مقاطعة غوانغدونغ الصينية في 2002 و2003. وفي كلتا الحالتين كان لأسواق بيع الحيوانات الحية ضلع في انتقال الفيروس إلى البشر ، وكانت هناك شبكة كبيرة من المزارع التي تزوّد أسواق ووهان بالحيوانات البرية، بمن في ذلك من موردين موجودين في المناطق التي يُعرَف أن الخفافيش فيها “مستودع طبيعي” لفيروسات كورونا ومن المحتمل أن يكون بعض الحيوانات أُصيبَ قبل طرحه في الأسواق .. وقالت بعثة منظمة الصحة العالمية إن مزيداً من البحث يجب أن يشمل تَتبُّع هذه المنتجات إلى مصدرها واختبار الحيوانات الأخرى هناك، وكذلك محيطها والأشخاص الذين يعيشون في مكان قريب.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Chat Icon