مقالات الرأى

ناصر عراق يكتب : أمينة وفاتن ونجلاء

0:00

والمقصود السيدات الفضليات أمينة رزق وفاتن حمامة ونجلاء فتحي، فمن غرائب السينما المصرية الهوس بالتكرار: تكرار الفكرة، أما المخرجون فقد يتغيرون، أما النجوم والممثلون فيختلفون من عصر إلى عصر وفقا للذوق العام، وتبعًا لقوانين شباك التذاكر.
من أبرز القصص التي عالجتها السينما في أكثر من فيلم قصة (ملك الحديد) للكاتب الفرنسي جورج أونيه (1848/ 1918)، إذ تم تمصيرها في ثلاثة صياغات سينمائية مختلفة قدمت كلها في ثلث قرن تقريبًا (بداية من عام 1940، حتى سنة 1972).
الفيلم الأول اسمه (قلب المرأة) للمخرج توجو مزراحي، وهذا (التوجو) ذو حضور قوي في تاريخنا السينمائي، رغم أنه إيطالي يهودي، لكنه من مواليد الأسكندرية، وعاش في مصر، وأسس شركة إنتاج، وأخرج العديد من الأفلام المهمة منها (سلّامة) لأم كلثوم، كما شارك بالتمثيل في بعض الأفلام متخذا اسمًا مصريًا هو (أحمد المشرقي).
المهم أن توجو مزراحي أطاح بالكاتبب الفرنسي، فلم يكتب اسمه في مقدمة فيلم (قلب المرأة)، وإنما نسب القصة لنفسه، بما أنه من كتب السيناريو والحوار!.
لعب أدوار البطولة في هذا الفيلم القديم كل من سليمان نجيب وأمينة رزق وأنور وجدي وعقيلة راتب، وقد عرض الفيلم في 6 مايو 1940 كما جاء في (دليل الأفلام في القرن العشرين) للناقد السينمائي الكبير محمود قاسم.
بعد ذلك التاريخ بأربعة عشر عامًا افتتن المخرج بركات بالقصة، فأعاد تقديمها على الشاشة، وقد أنصف المؤلف عندما ذكره في المقدمة (الفكرة للكاتب الفرنسي جورج أونيه)، ثم أضاف (سيناريو بركات/ يوسف عيسى)، والأخير هو من صاغ الحوار الرشيق للفيلم.
في هذه النسخة تصدى يحيى شاهين للعب دور سليمان نجيب، بينما تولت فاتن حمامة تقديم الشخصية التي تقمصتها أمينة رزق من قبل، وكان رشدي أباظة بديلا لأنور وجدي، بينما لعبت شريفة ماهر دور عقيلة راتب، لكن اللافت أن بركات كتب في مقدمة الفيلم (تصميم ملابس السيدة فاتن حمامة فيورينا خير)، الأمر الذي يكشف مدى اهتمام صناع الفيلم بكل التفاصيل، لأن السيدة فاتن كانت تلعب دور فتاة ثرية تتنعم بالحياة الرخية والثياب الأنيقة.
وقد شاهد الجمهور النسخة الثانية من تلك القصة في أول نوفمبر من سنة 1954.
ورغم مرور الأعوام لم تفقد قصة (ملك الحديد) نضارتها، فانقض عليها المخرج حسن الإمام، وفعل كما فعل زميل له من قبل، فلم يذكر اسم صاحب القصة عندما أخرج الإمام فيلم (حب وكبرياء) الذي عرض في 3 يوليو سنة 1972، واكتفى بأن كتب (سيناريو وحوار يوسف عيسى/ محمد مصطفى سامي).
أما الممثلون فكانوا: محمود ياسين بديلا لسليمان نجيب ويحيى شاهين، ونجلاء فتحي قدمت ما قدمته أمينة وفاتن، وحسين فهمي لعب دوري أنور وجدي ثم رشدي أباظة، بينما مديحة كامل مثلت الشخصية النسائية الشريرة التي ظهرت بها عقيلة راتب ثم شريفة ماهر.
اللافت أن مدير التصوير الأشهر وحيد فريد هو الذي أنتج وأدار تصوير فيلم (ارحم دموعي)، بينما اكتفى في (حب وكبرياء) بمهام مدير التصوير فقط.
والسؤال: ما السر في هذه القصة التي تغري المخرجين لتقديمها؟ وكيف يقبل نجوم تجسيد أدوار قام بهم نجوم سابقون؟ ألا يخشون من المقارنة؟ ألا يدركون أن (القديم) له فعل السحر في أنفس الناس، ومن ثم فإن الجديد قد لا يلقى الحفاوة المأمولة؟.
الحق أنني شاهدت الأفلام الثلاثة غير مرة، واشهد أنها جميعًا متميزة وفقا للعصر الذي أنتجت فيه، وأتخيل أن السبب الأهم في نجاح تلك الأفلام يعود إلى براعة القصة في كشف أنبل ما في الإنسان من مشاعر النبل والتضحية والإيثار، في الوقت نفسه تفضح بذكاء رذائل بعض الناس وما يخبئون في صدورهم من خسة وغدر وحقد ونذالة. هذه المعاني متجسدة في حبكة آسرة ابتكرها بمهارة الكاتب الفرنسي جوروج أونيه.
هكذا إذن السينما الجادة الجميلة، تثير العقل وتمتع الوجدان، أما السيدات الرائعات أمينة رزق وفاتن حمامة ونجلاء فتحي، ومعهن النجوم الرجال أبطال هذه الأفلام الثلاثة، فلهن، ولهم كل الشكر والتقدير والامتنان.

زر الذهاب إلى الأعلى