مقالات الرأى

مدحت عطا يكتب : عقلية الإعتذار بين القيل والقال…!!!

0:00

من الأساليب الإنسانية الراقية “إسلوب الإعتذار” فماذا يعنى الإعتذار فى المجتمعات عامة هو الإعتراف بالخطأ عن فعل قمت به وتم إدانتك بأنك مُخطئ أمام الجميع أو أمام نفسك فالإعتذار أسلوب راقى وفعل عظيم وخاصة لمن يستحقه ويعتبر إعتذار الإنسان المذنب مع إعترافه بالخطأ من الآداب الإسلامية فى التعامل مع الآخرين والذى يُبعد عن الإنسان شعوره بالتكبر ويُبعد عن قلوب الآخرين الشعور بالحقد والكراهية نحوه ويعتبر خُلق الإعتذار عند الخطأ من التواضع فالإنسان المتواضع بعيد كل البعد عن المكابرة فى الدفاع عن نفسه وهو يُدرك جيداً أن الإعتراف بالخطأ هو أطيب من التمسك به
أو المجاهرة به أعرف بعض الناس تقوم بعمل خطأ ما وتَجهر به كأنه فاز بسباق الخيول ومن يفعل ذلك ليس بالقوى بل هو مريض نفسى ويجب أن يُعالج فالتباهى بالخطأ لايصدر من أبناء الأصول بل من لايملكون أى جذور تدل على أنهم من عائلات محترمة أو متأصلة فالذى يفعل ذلك هو الرَدِى أى الواطى كما يطلق عليه فصعيد مصر صاحب العادات والتقاليد الأصيلة على مر الزمن…!!!
فإن الإعتذار عما بدر منا من خطأ ليس ضعفاً كما يظنه بعض الناس بل هو فى الحقيقة قوة وشجاعة وثقة ونقاء وصفاء نفسى كما أن الإعتذار يُزيل الأحقاد ويقضى على الحسد ويدفع عن صاحبه سوء الظن به والإرتياب فى تصرفاته فشجاعة الإعتذار لايتقنها إلَّا الكِبار ولايحافظ عليها إلا الأخيار وأصحاب النوايا الحسنة ولايغذِّيها وينمِّيها إلَّا الأبرار من بنى البشر أصحاب السُمعه الطيبة…!!!
ويأخذ الإعتذار فى ريفنا المصرى الأصيل سواء قبلى أو بحرى أشكال متعددة ولكن مضمونها واحد ومن أهم الإعتذارات التى تُقدم هو إعتذار الدم كما أُطلق عليه ويظهر هذا فى صعيد مصر خاصة وأقصد ظاهرة الثأر عندما يتم تقديم الكفن من أهل القاتل إلى أهل القتيل ويسمى “القودة” وهو من أهم وأقوى الإعتذارات والتى لايُقدمها إلا رجال ولايقبلها إلا رجال أيضاً…!!!
ويقول سيدنا على بن أبى طالب الإعتذار فى غير موضعه أى أن لم يكن واجباً فهو ذنب حيث يقول “من إعتذار من غير ذنب فقد أوجب على نفسه الذنب” أى بالبلدى لايجب تقديم الأسف والإعتذار فى الفارغة والمليانة بل فى الحق لأن هناك أمور أثقل من أن يتم حلها بالإعتذار أو الندم لأن هناك بعض الإعتذارات تُحزنك أكثر من الخطأ نفسه…!!!
عن عائشة رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قال “عفوا تعف نساؤكم وبروا آباءكم يبركم أبناؤكم ومن أعتذر إلى أخيه المسلم من شئ بلغه عنه فلم يقبل عذره لم يَرِدْ عَلَى الحوض” صدق رسول الله صل الله عليه وسلم…!!!
عزيزى القارئ هل تعرف أشهر وأقوى إعتذار تاريخى تعالوا معى أُذكركم بهذا الإعتذار الذى شاهده أعظم رجل فى التاريخ البشرى وهو سيدنا ورسولنا المصطفى صل الله عليه وسلم…!!!
روى الوليد بن مسلم عن أبى بكر عن ضمرة بن حبيب قال كان بين أبى ذر وبين بلال محاورة فعيره أبو ذر بسواد أمه فأنطلق بلال إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فشكى إليه تعييره بذلك فأمره رسول الله صل الله عليه وسلم أن يدعوه أى يحضره فلما جاءه أبو ذر قال له رسول الله صل الله عليه وسلم شتمت بلالاً وعيَّرته بسواد أمه؟ قال نعم…!!!قال رسول الله صل الله عليه وسلم ما كنت أحسب أنه بقى فى صدرك من كبر الجاهلية شئ فألقى أبو ذر نفسه بالأرض ثم وضع خده على التراب وقال والله لا أرفع خدى من التراب حتى يطأ بلال خدى بقدمه فوطأ خده بقدمه…!!!
هل رأيتم فى التاريخ مثل هذا الإعتذار السريع دون مجادلة أو بطئ فى الندم عن فعله والذى جعله يضع خده على الأرض أمام الرسول والصحابة ويطلب من سيدنا بلال أن يطأ أى يدوس خده بقدمه هذا الصحابى الذى كان من أوائل من دخلوا الإسلام ويقال إنه رابع أو خامس مسلم دخل الإسلام وهو خريج مدرسة الأرقم حيث قال عنه الرسول صل الله عليه وسلم “ما تقل الغبراء ولا تظل الخضراء على ذى لهجة أصدق وأوفى من أبى ذر شبيه عيسى إبن مريم”
قال الله تعالى “والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين” إذا كان الإعتذار هو ذلك الفعل النبيل الكريم الذى لو طُبق بين الناس بعزم ونية صادقة لتداوت القلوب المكسورة والكرامات المجروحة ولأصلحت العلاقات المتصدعة بين الناس وأعيدت كل المياه إلى مجاريها ولأذيب الغضب المتحكم فى الأفئدة…!!!
تعالوا نسأل هذا السؤال هل لثقافة الإعتذار أعداء…!!؟
نعم لأصحاب مبدأ الإعتذار أعداء كُثر حيث يكتظ زماننا هذا بأناس يُسمون “الموقعتيه” أصحاب النفوس المريضة والضعيفة عندما يخطأ البعض ويتشاورن معهم وأقصد الموقعتيه فى أنه أخطأ فى فلان أو فلانة فتجد هذه الطبقة من الاصدقاء أو بعض الأهل “الموقعتيه” يقدمون لهم نصائح شريرة بعدم الإعتذار بل ويقلبون المعانى والشعور الذى يملأ عقل وقلب المعتذر بأن الآخر هو الغلطان دون مراعاة لأى أصول أو ضوابط إجتماعية وإسلامية فى المساعدة على عمل الخير ونجد أن الإعتذار يأخذ معنى التسلية والقيل والقال من بعض الناس فى مجالسهم بطريقة سيئة السيرة لأنهم وللأسف تربوا منذ الصغر على حب التكبر وجهل هذه الثقافة الإنسانية…!!!
ونصيحتى الأخيرة طالما أنك أخطأت فى حق صديق أو زميل أو أخ أو أخت أو اى أحد فقدم أعتذارك دون خجل أو تردد لأن الإعتذار يُذيب أى جليد فى علاقتك بهؤلاء الأشخاص والنتيجة ستكون إستمرار العلاقة بينكم مغلفة بكل معانى الود والاحترام…!!!
وإلى مقالة أخرى وكل عام وأنتم بخير وعافية…!!!

زر الذهاب إلى الأعلى