مختار محمود يكتب: هيا بنا نعبث!
دعنى أصارحك بالحقيقة: نحن نعيش زمن العبث وعصر التفاهة؛ حيث حفلُ الزفاف أهمُّ من الحب، ومراسمُ الدفن أهمُّ من الميت، والثيابُ أهمُّ من الجسد، والمعبدُ أهمُّ من الله..تعالى الله عما يصفون. نعيش فوضى ممجوجة؛ تتداخل فيها الحقائق بالأكاذيب، ويتوه فيها الحق داخل دروب الباطل، ويتقافز فيها الأقزام على أكتاف الكبار. ربما يكون هذا هو الزمنُ الذي تنبأ الحديث المنسوب إلى النبي الكريم به، وهو قدوم سنوات خدَّاعات، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، ويتحدث الرويبضة في شؤون العامَّة. في زمن الضلال والابتلاءات والفتن..لا تصمد الثوابت كثيرًا، ولا ترفرف راية الحق طويلا..وإجمالاً: “إحنا في زمن المسخ”، كما كان يصرخ بطل فيلم “عمارة يعقوبيان” في ميدان عام. نحن نعيش حالة من التيه في أزمنة الاستقطاب والإلهاء..و”بص العصفورة”!!
وبناءً على ما قد سلف..فإن ظهور كيان مدعوم ماليًا ورسميًا وإعلاميًا للعبث بالدين، ولا شيء ذلك، في هذا التوقيت بالذات، لا يُعد شيئًا صادمًا؛ فهو مجرد حلقة جديدة ضمن حلقات من مسلسل “العبث” الذي ينافس المسلسلات التركية طولاً وعرضًا. كما إنَّ محاولة إقناع الرأي العام بأنَّ أشخاصًا معهودًا عنهم الخوض في شؤون الدين، بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، هو ذروة العبث. كيف بأفراد، كلما ظهروا إعلاميًا سقطوا لُغويًا وانكشفوا أخلاقيًا..وانهاروا علميًا، أن يخوضوا غمار قضايا وموضوعات وإشكاليات فوق مستوى تفكيرهم وقدراتهم “المحدودة”. قطعًا..شاهدتم أحدهم وهو يردد في خُيلاء: إن الإلحاد سر بين العبد وربه!! وحتمًا شاهدتموه وهو لا يقوى على قراءة وشرح مطلع قصيدة كعب بن زهير في مشهد هزلي رديء. ومن المؤكد أنكم شاهدتم أيضًا ذلك الذي لا يُتقن نطق أسماء المصادر والأسماء الثقات التي يتطاول على أصحابها ويتهمها بالجهل وعدم الفهم، ويُكنِّي الإمام الفقيه أحمد بن حنبل بـ”حمادة بن حنبل”!! وبدون شك..طالعت عيونكم الصور المتداولة لبعضهم أثناء تكريمهم من المخابرات الأمريكية عقب تخصيص برامج فضائية لهم لنقد النص الإسلامي دون غيره. ولا بد أنه تناهى إلى أسماعكم نبأ تلك السيدة التي لا يروق لها عديد من القوانين الإلهية، كالمواريث والزواج والطلاق وغيرها، وتتطلع إلى إعادة صياغتها وفق هواها. فهل هناك عبث أقبح من هذا العبث؟!
ثم إنَّ التعويل على دور جاد وفعَّال للأزهر الشريف في مجابهة الكيان الوافد وكبح جماحه ودحض خطابه وكشف عواره هو قمة العبث أيضًا. الأزاهرة المؤثرون إعلاميًا مهمومون بأمور أخرى أكثر أهمية من إطفاء نيران كارهي الدين بالسليقة، وتجلب المكسب السريع والشهرة الطاغية، مثل: تكفير وتفسيق من لا يؤمنون بكرامات أحمد البدوي، وزواج الجن من البشر، وجواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم والمشاهد المروعة لعذاب القبر. هل هناك عبث فوق ذلك؟ تتعاظم حدة العبث عندما يزعم أحدهم أو بعضهم أن الأزهر الشريف أنشأ وحدة متخصصة للرد على الكيان المستجد؛ لأن هذه الوحدة تم إنشاؤها قبل 6 ست سنوات تقريبًا وتؤدي عملاً روتيتيًا نمطيًا لا يشعر به أحد. إنه العبث ولا شيء غيره! كما إن العلماء الرواسخ من الأزاهرة المعممين يميلون إلى الهدوء والدعَّة والاختفاء داخل الجدران، وإذا قيل لهم انفروا في سبيل الله اثَّاقلوا إلى الأرض، رضوا بالحياة الدنيا من الآخرة، وما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل!
وإجمالاً.. فإنَّ مجرد التمكين لظهور هكذا كيانات مُحرضة ضد الأديان، وإضفاء الشرعية الرسمية عليها من خلال استضافة حفل تدشينها ورعايتها هو العبث في أعظم صوره؛ لأنه يعكس مباركة حكومية بالغة ورضىً رسميًا غير محدود، في الوقت التي لا تتأخر الحكومة فيه عن التدخل الحاسم والغاشم والعاجل في مواقف أخرى، ويكفي تعقبها مثلاً للمواقع الإلكترونية التي كان تروج أخبارًا لا توافق هواها وحجبها دون تردد، دون النظر إلى أية عواقب..أليس هذا التناقض في المواقف هو العبث بعينه؟!
كما إن انصراف المؤسسات والمنابر الدينية –على كثرتها وتنوعها وتعددها- عن مجابهة الشطط المتجدد والتجديف المتساخف ضد الدين تحت دعاوى باطلة مثل: “أميتوا الباطل بالسكوت عنه”، هو خلط ساذج للأمور، بل هو العبث كما يجب أن يكون!
وأخيرًا..فيا أيها المستأجرون والعابثون والمتآمرون والصامتون والشامتون واللاهون والمغرورون.. اعملوا ليومٍ سوف يُقال لكم فيه: “هذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ. إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”.