محمد أمين المصري يكتب : مستقبل السودان بيد المتحاربين
أربعة أشهر من الحرب في السودان كانت كارثة على البلاد، على رأسها مقتل الألاف وتشريد وتهجير ونزوح نحو 5 ملايين شخص، مع انهيار الخدمات الصحية وبالكامل في الخرطوم وضواحيها ومدن أخرى.
وحتى الآن لم يفكر طرفا النزاع في أن السبل الوحيد لإنقاذ السودان هو وقف القتال وليس مجرد التوصل إلى اتفاقات هدنة مؤقتة، فالمشكلة أن الجيش والدعم السريع لا يسعيان إلى وقف القتال، ولا يهمها سوى تحقيق ضربة قاضية للطرف الآخر، مما يؤكد أن مستقبل السودان حالك السواد لو استمر الوضع على ما هو عليه، فالأمر مرشح لمزيد منم الفقر والجوع وزعزعة استقرار السودان.
وهذا مؤداه استمرار الجهود في المسار السياسي الذي يعد السبيل الوحيد إنهاء أي صراع عسكري.
من الكوارث المحيطة بالأزمة السودانية، احتمال اتساع رقعة الحرب لتنضم إليها أطراف أخرى مثلما يحدث في نزاع بالعالم، وأقرب مثال لنا ما حدث في ليبيا، فعدم قدرة أي طرف تحقيق الضربة القاضية والنصر على الآخر يدعو بقية الأطراف المحيطة بالتدخل في النزاع ليس لتسويته وإنما للنيل من خيرات الحروب، فكل أزمة تخلق “لوردات الحرب” الذين يتربحون منها ويقفون بالمرصاد لأي مسعى سلمي.
وكما أسلفنا، فالوضع القائم شديد التشاؤم، فبعد أكثر من أربعة أشهر لم تستطع قوى دولية أو المجتمع الدولي ككل الدفع نحو مسار سياسي ينجم عنه إنهاء الصراع وتعيين حكومة مدنية انتقالية.
مشكلة العسكريين بالسودان أنهم يجهلون دروس التاريخ رغم أنهم الذين صنعوه، والتاريخ يؤكد فشل الحكومات العسكرية، ويؤكد أيضا أن تطور البلدان مرهون بالسلام والاستقرار، وهما عنصران أساسيان لا يتم التوصل إليها سوي بإنهاء القتال والصراع والتشرذم والتوصل إلى رؤية مرضية شاملة يتعامل فيها الجميع بتساو تام وحرية واحترام.
مشكلة طرفي الصراع في السودان، أن كل طرف يعتقد أن بإمكانه إنزال الهزيمة بالطرف الآخر، والتالي من المستبعد تجاهل هذا الأمر أو هذا التفكير في النقاش عن إمكانية إنهاء الصراع المدمر. وإن جاز لنا القول بأن ثمة عامل مشترك بين الجيش والدعم السريع، وهو اتفاقهما ( غير المتفق عليه) على خيانة الوطن وتدميره وتجاهل مطالب الشعب بالتوصل إلى حكم مدني كامل بدون تدخل عسكري أو رقيب عسكري، وهو ما حدث عقب الإطاحة بحكم عمر البشير، حيث انتفض المدنيون وحققوا النصر على نظام ” و”الإخوان” ولكن تم سرقة ثورتهم منهم، وتم التوصل إلى اتفاق سياسي يتولي فيه الجيش والدعم السريع منصب الرئيس والنائب للمجلس السيادي الانتقالي على أن يتولى المكون المدني الحكومة.. وإن هذا تم بالسودان ولكنه تم الانقلاب عليه، وما الحرب الجارية حاليا سوى حلقة ضمن حلقات إجهاض الأمل في التوصل إلى حكم مدني وعودة العسكريين إلى ثكناتهم كما أعلنوا مرارا دون الوفاء بالوعد بل نكثوه. فرئيس المجلس السيادي الفريق عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو “حميدتي” تجاهلا مطالب الشعب بضرورة التوصل إلى حكم مدني صرف. هذا بغض النظر عن اتهام دقلو لخصمه البرهان بأنه الذي انقلب على الاتفاق السياسي وإجهاضه وأن البرهان استعان بالإخوان مرة أخرى وأعادهم إلى السلطة والجيش بأشكال مختلفة.
هذا تقدير عام لكل ما تم منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي، وأضيف إلى هذا عامل جديد في الأزمة السودانية مؤخرا وهو خروج الفريق البرهان من حصاره بمقر القيادة العامة للقوات المسلحة وتوجهه إلى أم درمان ولقائه بالجنود ثم قيامه بجولة عربية شملت مصر والسعودية والإمارات. من أهم ملامح ظهور البرهان وتجاوزه مرحلة الحصار في مقر القيادة بعد إعلان الدعم السريع أنه محاصر فيها منذ بداية الحرب، أن قائد الجيش تحدث بلهجة مختلفة ورفض فكرة التفاوض مع الطرف الآخر، لينقلب على تصريحات نائبه عقار مالك الذي أعلن قبل فترة أن الحرب ستنتهي بالحوار والتفاوض وأنهما السبيلان لإنهاء الصراع، اللهم إذا كان كلام مالك مجرد بالون اختبار للدعم السريع والعالم ودول الإقليم بالاتفاق مع البرهان.
قائد الجيش مع رفضه مبدأ الحل الشامل الذي أعلنه الدعم السريع، أكد تمسكه بتصعيد العمليات العسكرية، مع استغلاله جولته العربية ليوجه رسائله للداخل والخارج معا، ومنها أن الجيش لا يحتضن الإخوان وهو الاتهام الذي يوجهه له خصمه “حميدتي” حتى من قبل اندلاع الصراع. ومن رسائل البرهان أيضا للداخل والخارج، أن الجيش سيسلم الحكم للقوى المدنية، وأن الجيش لن يستمر في الحكم للأبد.
أما عن الحرب وهو الأمر الجلل لدى السودانيين، فلم يسمعوا من البرهان ما يفيد بوقفها، ولكن مجرد سعي لوقفها وإن كان صرح في أم درمان أنه لا حوار مع المتمردين.
المشهد كما سبق وأسلفنا قاتم وشديد السواد، فالحلول السلمية مستبعدة حتى وإن تحدثت أطراف داخل الجيش عن النية في تشكيل حكومة انتقالية تدير شئون البلاد مع استمرار الحرب، ربما هذا التسريب يمتص غضب الشعب نوعا ما ولكنه لا يزيح الهم من القلوب، فالغموم باقية.
وأخيرا..تراخا الطرفان العسكريان بالسودان كثيرا في تسليم السلطة المطلقة إلى القوى المدنية، ولو كانا التزما بتفاصيل اتفاق تسليم السلطة للمكون المدني وعدم الانقلاب علي حكمة عبد الله حمدوك لما كان هذا حال السودان اليوم. وثمة نقطة أخيرة وهي أن المجتمع المدني السوداني لا يصدق تماما ما يصرح به الطرفان بأنه يريد تسليم السلطة للمدنيين، فالمدنيون يدركون أن الجيش والدعم السريع ارتكبا جرما كبيرا بحق السودان، وأنهما تعمدا إغراق البلاد في الفوضى وربما الأسوأ أن تصل الأمور إلى حرب أهلية مدمرة.
للأسف..فالمتحاربون هم الذين يحددون مستقبل السودان، وكل طرف يدعي أنه الأحق بالسيطرة والسلطة، في حين لو طال الأمر فلن يكون هناك دولة، وبدون دولة ليس مجال للسلطة أو السيطرة.