مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب : سيناريو افتراضي عن دعم واشنطن لانقلاب فاجنر

0:00

صرح وليم بيرنز رئيس المخابرات المركزية الأمريكية، بأن روسيا ستصبح مستعمرة اقتصادية للصين، في إطار حديثه في منتدي سياسي ببريطانيا عن تطورات انقلاب يفيجيني بريجوجين زعيم ‫جماعة “فاجنر‫” في روسيا، وربط بيرنز تطورات الحرب الروسية ‫- الأوكرانية بمجمل العلاقات بين بكين وموسكو، وقال‫: ‫”روسيا ستتحول إلى مستعمرة اقتصادية للصين‫” بدون الخوض في تفاصيل تحليله لهذه المعلومة أو الحدث المفترض الذي قد يحدث أو لا يحدث مطلقا، وربما يكون كلامه مجرد افتراض أو شائعة لا يمثل حدثا حقيقيا حتى يتم تأكيده من مصادر موثوقة في المستقبل‫.
بداية ربما تصور الخبراء الأمريكيون وهم يستعرضون رؤيتهم لانقلاب بريجوجين على أنه زعيما للمعارضة الروسية، وهو في الواقع ليس كذلك أو حتي ضمن المعارضة الروسية اللهم سوى انتقاده الأوضاع العسكرية التي يتخذها قادة الجيش الروسي خلال الحرب في أوكرانيا، ومن الخطأ أن بعض الأمريكيين اعتقدوا في البداية إمكان نجاح يفجيني بريجوجين في قيادة حركة انقلابية ضد فلاديمير بوتين‫.
وليم بيرنز سارع ونفي أي تقارب بين واشنطن وفاجنر، بل أكد أن بلاده ليس أي علاقة بالانقلاب الداخلي في روسيا وأن هذا الأمر شأن داخلي، وربما أراد رئيس المخابرات الأمريكية الاكتفاء بتوضيح أن الاهتمام الاستراتيجي والمصالح الجيوسياسية للولايات المتحدة في المنطقة لا ترتبط بالإطاحة بالرئيس الروسي، أو حتى الاقتراب من رغم تصريحه بان انقلاب يفيجيني كان تحديا للدولة الروسية‫.

من الطبيعي أن تسارع الولايات المتحدة في نفي أي علاقة لها بانقلاب بريجوجين، فهذا من الأمور البدهية، حتى لو كان العكس هو الصحيح، لأنه في حال اكتشاف الروس أي دعم أمريكي لزعيم فاجنر ضد فلاديمير بوتين– أيا كان نوعه – فهذا سينتج عنه تداعيات سياسية وأمنية كبيرة وتصعيد في التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا، وكان من نتائجها الافتراضية تصعيد الخطاب السياسي، أي من المتوقع أن يرد بوتين والقيادة الروسية بشدة على هذا الدعم الأمريكي المفترض، وقد يتم تكثيف حدة الخطاب السياسي المعادي للولايات المتحدة وتوجيه انتقادات حادة وتهديدات لواشنطن‫..ناهيك عن زيادة التوتر العسكري بما يؤدي التصعيد السياسي إلى زيادة التوتر العسكري بين البلدين، في وقت يشهد فيه البلدان زيادة في تحركات القوات العسكرية، ومناورات عسكرية واسعة النطاق، وزيادة في الاستعراضات العسكرية بين الطرفين، هذا بجانب احتمال تدهور العلاقات الدبلوماسية بشكل كبير بين البلدين، ليتم طرد السفراء وإغلاق البعثات الدبلوماسية، بالإضافة إلى عواقب اقتصادية، أي قد تواجه الولايات المتحدة وروسيا عواقب اقتصادية سلبية نتيجة لتصاعد التوتر، مع إقدام كل دولة على فرض عقوبات اقتصادية على الأخرى، مما يؤثر على التجارة والاستثمار والعلاقات الاقتصادية بينهما‫.

هذا بخلاف انعكاس التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا على الأوضاع الإقليمية والعالمية، و قد تتدخل الأطراف الأخرى في المنطقة، مما يزيد من التوترات ويعقد الوضع العالمي.
ولكن بعكس ما قاله وليم بيرنز بشأن عدم علاقة واشنطن بانقلاب بريجوجين الفاشل، فثمة عدة أسباب قد تدفع الولايات المتحدة لدعم زعيم فاجنر في محاولة للإطاحة ببوتين أو على الأقل زعزعة حكمه وصورته داخل الاتحاد الروسي. تشمل هذه الأسباب الاهتمام الاستراتيجي والمصالح الجيوسياسية للولايات المتحدة في المنطقة، منها تقليص نفوذ روسيا بالمنطقة، خاصة وهي تعتبر تحت حكم بوتين قوة إقليمية وعالمية قوية، وبالتالي فإن الولايات المتحدة قد تسعى إلى العمل على إضعاف هذا النفوذ وتحقيق مصالحها الخاصة، بجانب تأثيرات روسيا في الشرق الأوسط حيث تلعب دورا هاما في المنطقة خاصة في سوريا وإيران. ويمكن أن ترى الولايات المتحدة دعم بريجوجين كفرصة للتأثير في السياسة الروسية في المنطقة وتقليص تأثير روسيا على القرارات الإقليمية‫..وإذا تحدثنا عن الاقتصاد، فثمة حماية للمصالح الاقتصادية الأمريكية خاصة في مجال الطاقة، فروسيا تمتلك موارد طاقة ضخمة، بما في ذلك البترول والغاز الطبيعي، وبالطبع لدى الولايات المتحدة مصالح اقتصادية في المنطقة وتسعى إلى ضمان حماية تلك المصالح وتقليص السيطرة الروسية على القطاعات الحيوية‫.

وبغض النظر عما سبق من احتمالات وتأويلات، فالتساؤل التالي وهو الأهم‫: ما هو أقرب سيناريو للعلاقات الأمريكية الروسية في الوقت الراهن؟‫..
ندرك جميعا أن العلاقات بين البلدين تعاني من توترات وتحديات عديدة، وثمة عوامل تؤثر على العلاقات بينهما، بما في ذلك الخلافات السياسية والاقتصادية والأمنية، وبالتالي فثمة بعض السيناريوهات الممكنة للعلاقات الأمريكية الروسية في الوقت الراهن‫:
• استمرار التوترات والمنافسة، حيث من المرجح أن يستمر التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا نتيجة للخلافات السياسية والاقتصادية والأمنية، ويستمر الصراع في مناطق مثل أوكرانيا وسوريا والقضايا الإقليمية الأخرى.
• التعاون المحدود: قد يحدث بعض التعاون المحدود في المجالات التي تعود بالفائدة على البلدين، مثل مكافحة الإرهاب أو مكافحة انتشار الأسلحة النووية، ولكن هذا التعاون قد يكون محدودا ومشروطا بالمصالح المشتركة.
• قد تستمر الولايات المتحدة وروسيا في القيام بمحادثات دبلوماسية لمعالجة القضايا العالمية المشتركة، مثل التغير المناخي أو الاستقرار النووي. ومع ذلك، فقد تكون هذه المحادثات معقدة ومعرضة للتوترات.
• العقوبات والضغوط الاقتصادية: قد تستخدم الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية والضغوط الدبلوماسية للتأثير على سلوك روسيا وتحقيق مصالحها، وربما يؤدي إلى تصعيد المواجهة وزيادة التوترات بين البلدين.

التساؤل السابق يقودنا إلى تساؤل آخر، وهو ‫: ما السبيل إلى تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا رغم استمرار الحرب الروسية الأوكرانية؟..
بداية‫..مجرد التفكير في تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية هو مهمة صعبة في الوقت الراهن، ولكن هناك بعض السبل التي يمكن إتباعها للعمل على تحسين العلاقات بين البلدين، منها ‫:
• الحوار والتفاهم، عبر تعزيز الحوار المباشر بين البلدين على جميع المستويات، سواء كان ذلك من خلال القنوات الدبلوماسية أو المؤسسات الدولية المشتركة، مع التركيز على بناء التفاهم المتبادل والبحث عن نقاط الاتفاق المشتركة.
• العمل المشترك في القضايا ذات الاهتمام المشترك، أي تعزيز العلاقات بالتركيز على القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل مكافحة الإرهاب، والحد من انتشار الأسلحة النووية، ومكافحة تغير المناخ، وقد يؤدي التعاون في هذه القضايا إلى تعزيز الثقة وتحسين العلاقات بين البلدين.
• التعاون الاقتصادي ، بما قد يؤدي إلى تحسين العلاقات من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، وتوفير فرص للتعاون في المجالات الاقتصادية المختلفة مثل الطاقة والتكنولوجيا والاستثمارات، وهذا قد يعزز الاستقرار والتفاهم بين البلدين.
• العمل من خلال المنظمات الدولية، عبر استخدام المنظمات الدولية كمنصة لتعزيز التعاون والتفاهم بين الولايات المتحدة وروسيا، من خلال المشاركة المشتركة في المنظمات مثل الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ويمكن للبلدين تبادل وجهات النظر والعمل سويا على حل القضايا الدولية.
مع ذلك، يجب الإشارة إلى أن تحسين العلاقات الأمريكية ‫- الروسية يتطلب إرادة سياسية من الجانبين واستعدادا للتعاون، وأن تكون أي جهود لتحسين العلاقات في النهاية مبنية على المصالح المشتركة واحترام القوانين الدولية‫.
في النهاية‫..وعودة إلى وليم بيرنز، فهو أجرى اتصالا بنظيره الروسي سيرجي نارشكين ونفي أي دعم أمريكي لزعيم فاجنر ، ولكن بيرنز ورغم نفيه هذا لم يستطع كبح نفسه اللوامة بالسوء من كشف أن المخابرات الأمريكية نشرت على موقع ‫”تليجرام‫” تحريضا للمواطنين الروس للتعاون مع (سي –آي – إيه) والكشف له عن أ‫. معلومات أو بيانات تساعد في التخلص من بوتين أو على الأقل زعزعته حكمه في روسيا.

ويبقي أن بيرنز ظل يتحدث في المنتدى السياسي ببريطانيا عما لحق بالجيش الروسي من ضعف بسبب الحرب الأوكرانية‫، ليؤكد للجميع أن الأوضاع في روسيا ليست كما كانت قبل الحرب، وربما أراد بيرنز بحكم معرفته الواقع الروسي حيث عملا سفيرا لبلاده في موسكو، أن روسيا اليوم ليست بقوة الأمس، وأن التلاعب بها أصبح أملا من اليسير تحقيقه.

زر الذهاب إلى الأعلى