مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب : خيارات الجيش الإسرائيلي في غزة..”العجلة من الشيطان”

0:00

بعد ٣ أسابيع تقريبا من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتهديد قادة إسرائيل كافة باجتياح القطاع للقضاء على المقاومة الفلسطينية الممثلة في حركتي حماس والجهاد، تواصل قوات الاحتلال قصف غزة جوا، ولم تقتحم مدرعة واحدة أيا من مدن القطاع حتى وقتنا الراهن رغم شدة تصريحات هؤلاء القادة السياسيين والعسكريين في إسرائيل.
الاجتياح البري ليس صعبا فقط، بل مستحيل في الوقت الراهن، لأنه يبدو أن العسكريين الإسرائيليين ومعهم الساسة المتعطشين للدماء الذين يتعاملون مع أبناء غزة بوحشية مفرطة تدعمها الدول الغربية ومعهم الولايات المتحدة، قد قرأوا دروس التاريخ واستوعبوها جيدا قبل تنفيذ عملية برية قد تكون فاشلة وتضاف إلى فشل الجيش والمخابرات الإسرائيلية توقع عملية السابع من أكتوبر الجاري، وبالتالي يتجنب الجيش تكرار الفضيحة التي هزت أركان الجيش والحكومة والأهم إنها أدت إلى تراجع الروح المعنوية للإسرائيليين الذين ينتظرون انتهاء الحرب لمحاسبة المسئولين عن هذا الفشل الاستراتيجي، وعلى رأسهم بنيامين نيتانياهو رئيس الحكومة الذي أقحم إسرائيل في متاهة سياسية بسبب قانون الإصلاح القضائي مدعوما من أحزاب اليمين المتطرف، وهو ما جعل أطراف كثيرة في الجيش واجهزة المخابرات تقف ضده وتعانده، حتى ليقال الآن أن عملية السابع من أكتوبر هي جزءا من الحرب المستترة بين الطرفين (الجيش والمخابرات من جهة، والحكومة والأحزاب اليمينية المتطرفة من جهة أخرى)، وحتى وإن كان مثل هذا السيناريو صعب التصديق، فهو على الأقل يتم تداوله داخل الأورقة الإسرائيلية، فثمة مؤامرة داخلية للإطاحة بحكومة نيتانياهو، وهو يقترب حاليا من ترك منصبه غير مأسوف عليه، فمهما فعل للإسرائيليين فهم لا ينسون رئيس الحكومة الفاشل، وهم يحسبون الحسبة بالخاتمة وليس بالنقاط، فخواتيم نيتانياهو كانت مؤسفة وفاشلة.
نعود إلى مسألة الاجتياح البري من عدمه، فسكوت ريتر الضابط السابق في المخابرات والجيش الأمريكي، حذر الجيش الإسرائيلي من تدميره حال اقتحم قطاع غزة بريا، فالمقاومة تنتظر هذا القرار لتلقين الجيش درسا آخر لا ينسى على مر التاريخ.
وقال ريتر في مقابلة مع قناة يوتيوب : “أقول بكل صدق..إذا ذهب الإسرائيليون إلى غزة، فالموت هو المصير الوحيد للجنود.. سيموتون بأعداد لم يروها من قبل“. لم يتوقف رتير عند التحذير، بل أوضح السبب وراء تحذيره الخطير للجيش الإسرائيلي ” كتائب القسام التابعة لحركة حماس مستعدة تماما وتنتظر العملية البرية وستقوم باستدراج إسرائيل إلى “فخ الموت“. لم يتوقف تحذير الضابط الأمريكي على الجيش الإسرائيلي بل امتد إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن المنفعل أكثر من الإسرائيليين وكأن بلاده هى التي تعرضت لنكسة السابع من أكتوبر.. فحذره ريتر“ على بايدن أن يدرك أنه ليس فقط هناك “استحالة” انتصار إسرائيل، بل أيضا عدم قدرة الولايات المتحدة على مساعدتها في حالة مشاركة حزب الله وإيران في الصراع“. ولهذا يستخدم الضابط الأمريكي كل خبراته العسكرية والاستخبارية ليضع الهدف من تصريحات ””ليس لدينا القوة لذلك، ولذلك، نحن بحاجة إلى وضع حد لهذا الصراع الآن“. وعودة إلى الاجتياح البري الإسرائيلي لقطاع غزة الذي تأجل حتى وقتنا الراهن، فلا يزال يصر نيتانياهو ووزير حربه يواف جالانت ورئيس الأركان هرتسي هليفي على التلويح به يوميا، وأن ما يتم حاليا هو في إطار المناورة العسكرية، ويدعي هؤلاء خاصة العسكريين أن القصف الجوي الحالي يستهدف تقويض قوة حماس العسكرية.
ولكن الوضع المرئي حاليا يستبعد شن إسرائيل حرب برية، حتى وإن كانت الولايات المتحدة قد أرسلت حاملتي طائرات ألفي جندي من قوات ألفا فائقة القدرات القتالية. ومن بين أمور أخرى كثيرة، تؤكد التحليلات الإسرائيلية بشأن هذه الحرب أن حاملات الطائرات الأمريكية ترمز إلى تدخُّل أمريكي في المعركة الدائرة، فضلا عن أنه يمكنها أن تردع حزب الله عن الدخول في حرب شاملة، كما أن التعامل مع هذا الحزب سيكون أفضل إذا ما دخل.
وربما تفيدنا في مقامنا هذا تصريحات الجنرال الإسرائيلي إسحق بريك، ذو الخبرة العسكرية الطويلة في سلاح المدرعات بين عامي 2009 و2018، وقد أعد بريك في فترة توليه منصبه عدة تقارير حول وضع الجيش ومدى استعداده للحرب . ينتقد القائد العسكري السابق تردي مستوى الجيش ووجود سلسلة من المشاكل خاصة في سلاح البر. وقال إنه زار 1400 وحدة عسكرية وتحدث مع عشرات الآلاف من القادة والجنود خلال عمله، فوجد مشاكل صعبة على المستويات اللوجستية والتكنولوجية والتنفيذية، وتمت معالجة هذه المشاكل، “ولكن المشكلة الرئيسة التي بقيت هي الثقافة التنظيمية، وهي مشكلة عميقة لم يتم حلها”. ولسوء الوضع في الجيش الإسرائيلي، طالب بريك حينها بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في هذا الجانب، في ظل سياسة الصمت المتبعة من قبل الضباط في كافة الوحدات، وعدم تقديم حقيقة الواقع السيئ في الجيش كما هو المستوى السياسي.
وقال بريك إن إسرائيل قد تتعرض لضربة هائلة قد يقتل فيها الآلاف إذا اضطرت إلى خوض حرب متعددة الجبهات. وقال إن منظومة “القبة الحديدية” هي “ذر للرماد في العيون”، مع عدم تقليله من فاعليتها، موضحا أنها “ستكون دون جدوى أمام 250 ألف صاروخ قد توجه إلى إسرائيل، الكثير منها صواريخ ذات دقة إصابة عالية، وذات مدى بمئات الكيلومترات، وقادرة على حمل رؤوس متفجرة تزن مئات الكيلو جرامات”.
لا ينكر بريك أن الفصائل الفلسطينية في غزة حققت الانتصار في المعركة الحالية، وهو يساند الرأي العسكري باستمرار القصف الجوي وضرب المواقع التي يختبئ فيها قادة حماس تحت الأرض في عمق غزة،
الأهم في رأي بريك ”إسرائيل تخشى من أن تدخل مواجهة عسكرية برية قد يقتل فيها عدد كبير من الجنود، لذلك تعتمد على سلاح الجو.. التسرع في العملية البرية، سيكون مصيدة موت للجنود، وقد تشكل هزيمة عسكرية مباشرة لإسرائيل تكبدها خسائر بشرية كبيرة“. كلام بريك لا يطلقه في الهواء فهو أحد أصدقاء نيتانياهو المقربين يستشيره في كثير من الأمور العسكرية خاصة في هذه الأزمة، وكان رد بريك ”أن حركتي حماس والجهاد كانتا تدركان أن الجيش سيدخل بريا لذلك استعدت بشكل جيد قبل عملية السابع من أكتوبر فأعدت العبوات المتفجرة الجانبية، وعبوات تنفجر تحت المركبات، وحقول ألغام وكمائن وصواريخ مضادة للدروع على مفترقات الطرق في ذروة الدخول البري لغزة… وسيتكبد الجيش الكثير من الخسائر… والهدف من الدخول إلى قطاع غزة هو القضاء على مقاتلي حماس والجهاد في الأنفاق وهذه مهمة صعبة جدا ستستغرق عدة شهور… وستحدث اشتباكات خلال محاولة الجنود الدخول إلى مناطق للوصول إلى مداخل الأنفاق… في هذه الأثناء ستكون هناك قوات كبيرة من الجيش لمساندة هؤلاء في قطاع غزة وستتعرض لضربات لعدة شهور، وستكون هناك صعوبات كبيرة في عملية تزويد هؤلاء بالوقود والماء والطعام والمعدات وإخلاء المصابين كما ستحدث مشاكل تقنية.. وستكون هناك مشاكل في تأمين القوات والدعم اللوجيستي.“ ويختتم تحليله بأن الجيش الإسرائيلي سيفشل القضاء على 30 إلى 40 ألفا من المسلحين في الأنفاق، و سيتعرض إلى خسائر كبيرة ولن ينجز المهمة، وسيكون هذا بمثابة انتصار لحركة حماس. كما أن الدخول البري قد يفجر حربا إقليمية سيكون ثمنها أضعاف الوضع الحالي“.
ويبدو جليا أن نيتانياهو قد أخذ بنصيحة مستشاره العسكري الذي نصحه بحصار تجويع للقطاع وحرب استنزاف طويلة تدوم شهورا على غزة من دون ماء وطعام ووقود، مع الاستمرار في إضعاف الفصائل الفلسطينية بضربها بكل قوة، على أن يستغل الجيش هذه الفترة للتدرب على خوض هذه الحرب لأنه حاليا ليس مؤهلا بشكل جيد للعملية البرية، لا على مستوى التدريبات ولا التعامل مع المعدات الجديدة، ولا تملك الكثير من وحداته دراية كافية بطبيعة المنطقة“.
واخيرا..ينصح الجنرال الإسرائيلي إسحق بريك، نيتانياهو وقادة الجيش بالتمهل قبل شن الحرب البرية ولسان حاله يقول (العجلة من الشيطان).

زر الذهاب إلى الأعلى