مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب : القمة الإعلامية بالصين تمنح قبلة الحياة للإعلام التقليدي

0:00

عُقدت القمة الإعلامية العالمية في مدينة جوانزو جواندونج بجنوب الصين تحت شعار ” تعزيز الثقة العالمية..تعزيز تطوير وسائل الإعلام”، وهي قمة تُعد مناسبة مهمة للصحفيين والوسائل الإعلامية من مختلف أنحاء العالم، ليس فقط للتباحث والمناقشة حول قضايا الإعلام والتحديات التي تواجهها الصناعة في العصر الحديث، ولكن لكون القمة استهدفت تعزيز التعاون وتبادل المعرفة والخبرات بين المشاركين من قيادات الوسائل الإعلامية والصحفية من كل دول العالم، وعلى رأسهم وكالات الأنباء العالمية الرئيسية، رويترز،الأنباء الفرنسية، الأسوشيتيدبرس، شينخوا الصينية وكيودو اليابانية، ووكالات الأنباء العربية والإقليمية الأخرى من مختلف مناطق العالم. ربما كان الهدف الأهم للقمة الإعلامية مناقشة دور الإعلام. في تعزيز التنمية والأمن واستجابة الإعلام لفرص وتحديت التكنولوجيا الجديدة في العصر الرقمي وتعميق التعاون الإعلامي بين مختلف دول العالم من أجل مستقبل أفضل.

وناقشت القمة الإعلامية العالمية على مدى يومين عبر جلساتها المتعددة ما تتعرض له وسائل الإعلامية التقليدية من تحديات في ظل التطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي وتحول الجمهور إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بكل ما تحمل من أخبار ملفقة وأكاذيب، حتى أنها لا تنفي ما بثت من أكاذيب بعد اكتشافها.. وناقش نحو ٤٥٠ ممثلا ل٢٠٠ مؤسسة إعلامية ومراكز أبحاث ومنظمات دولية من ١٠٠ دولة عناوين مهمة وهي “تعزيز الثقة: دور الإعلام في دعم التنمية والأمن. للبشرية “، و”احتضان التغييرات :استجابةالإعلام لفر ص. وتحديات التكنولوجيا الجديدة”، و”الابتكار الرائد: أسواق وسائل الإعلام الجديدة في العصر الرقمي”، واخيرا “السعي للنمو: التعاو الإعلامي في جميع أنحاء العالم من أجل مستقبل أفضل”.

من شارك في المؤتمر يعتقد لوهلة أن حربا قائمة بين الإعلام التقليدي من جهة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي والتواصل. الاجتماعي من جهة أخري. ولكن القضية كلها تركزت. في تحديد ما هى التحديات ، وكان من أهمها:

• تغير نمط الاستهلاك الإعلامي، ربما لما يشهده العالم من تحولات في عادات الاستهلاك الإعلامي، فالمستخدمون في وقتنا الراهن يفرطون في البحث عن المحتوى الإعلامي عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.. الأمر الذي يعد تحديا كبيرا أمام وسائل الإعلام التقليدية ويتطلب منها التكيف مع هذا التغيير وتوفير تجارب إعلامية رقمية متميزة.
• تحسين تجربة المتلقي ، وهنا يمكن القول أنه بمقدورنا الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، بأن يلعب دورا مهما في تحسين تجربة مستخدم وسائل الإعلام التقليدية. ويمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل السعي نحو توفير آليات تلبي اهتمامات المستخدمين وتحسين توجيه المحتوى والتفاعل مع القراء.

• تحرير وإنتاج محتوى صحفي حديث ومتميز باستغلال الذكاء الاصطناعي ، على أن يسهم هذا المحتوي في تسهيل عملية تحرير وإنتاج المحتوى في وسائل الإعلام التقليدية. على سبيل المثال، يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل الأخبار والبيانات وتوليد تقارير أو مقالات صحفية بشكل أسرع وأكثر كفاءة.

وإذا كانت هذه بعض التحديات التي تواجه وسائل الإعلام التقليدية في مجال الذكاء الاصطناعي، فيجب أن تكون هذه الوسائل مستعدة لاستغلال إمكانات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال ومتوازن، مع الاهتمام بالأخلاق والتنظيم وتلبية توقعات المستخدمين المتغيرة.

وعودة إلي القمة الإعلامية ، فقد دعت إلى أن العالم اليوم يشهد تغييرات متسارعة لم يسبق لها مثيل منذ قرن من الزمان، بجانب تزايد الشكوك والعوامل غير المتوقعة، دعا المشاركون وسائل الإعلام العالمية إلى بناء جسر للتواصل من أجل الإجابة على الأسئلة التي يطرحها العالم والعصر والتاريخ.. وأن يولي الإعلام العالمي المزيد من الاهتمام للمطالب المُلحة للدول النامية في مجالات مثل الحد من الفقر والأمن الغذائي وتمويل التنمية، والتصنيع، والمساعدة على حل أوجه الاختلال والقصور في التنمية. لم تغفل القمة التنمية السريعة للتكنولوجيات الجديدة في عصر المعلومات، فدعت الإعلام العالمي الي التمسك بالأخلاقيات الصحفية وتلبية المعايير المهنية، مع القيام بالابتكار بشكل نشط واستخدام التكنولوجيات الناشئة على نحو رشيد..مع المطالبة بنشر
الأخبار الحقيقية والموضوعية والشاملة وغير المتحيزة للجمهور، ومقاومة المعلومات المضللة ومعارضة الشائعات والتحيزات للتمسك بسلطة ومصداقية الإعلام.
ودعا المشاركون عبر القمة الإعلامية ، المنظمات الإعلامية العالمية إلى تعزيز التعاون وتدعيم التنمية المشتركة لصناعة الإعلام العالمية وتسهيل الفهم المتبادل والاتصال بين الدول والشعوب القادمة من خلفيات تاريخية وتقاليد ثقافية وأوضاع إنمائية مختلفة من أجل تحقيق قدر أكبر من الاستقرار والطاقة الإيجابية في عالم متقلب.

ومع كل ما تواجهه وسائل الإعلام التقليدية من تحديات كبيرة في مواجهة التطور السريع للذكاء الاصطناعي، فلا يزال أمام الاعلام التقليدي دوره المهم لما لديه من موارد وقدرات فريدة يمكن أن تساعده على التكيف والاستفادة من تطور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، حيث يمكن أن تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي الاعلام التقليدي في مواجهة التحديات، مثلالاستفادة من التحليلات البيانية، وهي إحدي أدوات الذكاء الاصطناعي ، حيث يمكن أن يساعد وسائل الإعلام التقليدية في استغلال البيانات الضخمة وتحليلها بشكل أفضل، وبالتالي تساعد هذه التحليلات في فهم اهتمامات الجمهور وتوجيه المحتوى بشكل أكثر فعالية، وتوفير تجربة مخصصة للقراء والمشاهدين.

ولا يجب أن نخشي أو نتخوف من قوة وتكامل الذكاء الاصطناعي في عمليات الإنتاج، لأننا ربما بالاستغلال الجيد لقدرات الذكاء الاصطناعي نكون قادرين بصورة أفضل على توفير تقارير صحفية بشكل أسرع وتحسين كفاءة العملية الإبداعية. فا

ولعل الذكاء الاصطناعي لا يلهينا عن مهمة أن يكون لدى وسائل الإعلام التقليدية القدرة على ابتكار توفير تجارب إعلامية جديدة وجذابة للجمهور، مع الاستمرار في تطوير قدرات الصحفيين وتدريبهم على التكنولوجيا الجديدة وفهم كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل فعال.

وعلى الرغم من التحديات، إلا أن الاعلام التقليدي لا يزال يحتفظ بقوة شعبية ونفوذ في أي مجتمع، ويمكنه أن يستفيد من إمكانات الذكاء الاصطناعي للحفاظ على الجمهور القديم وجذب شرائح جديد عبر تقديم محتوى متميز. ولهذا، فمن المهم أن يتبنى الاعلام التقليدي التحول الرقمي ويستثمر في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للبقاء في المقدمة وتلبية احتياجات الجمهور المتغيرة باستمرار . قد يتطلب ذلك تحديث العمليات والهياكل التنظيمية، والتعاون مع شركات التكنولوجيا، واستثمار في تطوير المهارات اللازمة. وبالاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، يمكن للإعلام التقليدي أن يجذب ويحتفظ بالجمهور، ويوفر تجربة إعلامية متميزة ومبتكرة في عصر الرقمنة والتكنولوجيا المتقدمة.

ومن نافلة القول أن مهمة استعادة دور الإعلام التقليدي في تشكيل الرأي العالم، تتطلب تبني استراتيجيات وممارسات جديدة لتلبية تحديات العصر الرقمي وتحظى بتفاعل الجماهير. ولعل على الإعلام التقليدي الاضطلاع بمهام محددة لاستعادة دوره، مثل الاستثمار في الجودة والتحقق من صحة الانتاج الصحفي، لأنه يجب أن يكون الإعلام التقليدي مصدرا موثوقا للمعلومات، وأن يولي أهمية كبيرة للتحقق من الدقة والموضوعية والمصداقية في تقديم الأخبار والتحليلات. ويتعين على الإعلام التقليدي استخدام التقنيات الحديثة للتحقق من الحقائق ومكافحة الأخبار المضللة والزائفة . ويتعين على الإعلام التقليدي تقديم فهم شامل وتحليل متعمق للأحداث والقضايا العالمية، مستفيدا بآراء الخبراء والمحللين لتوضيح وتوجيه الجمهور في قضايا معقدة، وهو ما يعني توفير التحليل والتفسير للأحداث ، وهي قدرة يمتلكها الإعلام التقليدي على توفير تحليلات متعمقة وتفسيرات ذات قيمة مضافة للخبر.

كما يجب أن يكون الإعلام التقليدي، منصة للتفاعل والمشاركة مع الجمهور، مع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات النقاش الإلكترونية للتفاعل مع القراء والمستمعين والمشاهدين. وبالتالي الاستفادة من هذه المنصات للتعليق على التعليقات والأسئلة وتحقيق تفاعل أكبر مع الجمهور.

وتمنح مهمة تنويع المحتوى والتقديم، الإعلام التقليدي، ميزة التكيف مع اهتمامات الجمهور وتفضيلاته. وفي هذه الحالة يمكن استخدام التنوع في المحتوى وتقديم أشكال متعددة من الأخبار والمعلومات والترفيه لجذب فئات مختلفة من الجمهور، مع امكانية تطوير الفيديوهات التفاعلية والتقارير المصورة والمواد المرئية الأخرى لإثراء تجربة الجمهور.

ومع استفادة الإعلام التقليدي من التعاون مع الوسائط الرقمية والمنصات الإلكترونية، يمكن استعادة دوره التقليدي في تشكيل الرأي العالمي، بشر\ تبني استراتيجيات متعددة. من اهمها تبني استراتيجية الجودة والموضوعية.وأن يكون الإعلام التقليدي مصدرا موثوقا للمعلومات، وتقديم تغطية موضوعية ودقيقة للأخبار والقضايا العالمية، والاعتماد على الأبحاث الموثوقة والمصادر الرسمية وتجنب الانحياز والتحيز، وهو آفة
بعض وكالات الأنباء العالمية التي تنحاز لقضية ودولة وخيار محدد، مثلما يحدث في الحرب الإسرائيلية على غزة.

ومع امتلاك الإعلام التقليدي القدرة على تقديم تحليلات متعمقة للأحداث والقضايا العالمية، يمكنه توفير فهم شامل للسياق والتأثيرات المحتملة والتداعيات الاجتماعية والسياسية. ويساعد التحليل العميق في تمكين الجمهور من تشكيل آراء مستنيرة.

لقد أكدت القمة الإعلامية العالمية ، ضرورة أن يستجيب الإعلام التقليدي لاهتمامات الجمهور واحتياجاته. ويمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية للتفاعل مع القراء والمشاهدين وجمع ردود فعلهم وآرائهم. يمكن أيضًا استضافة منتديات ونقاشات للتواصل المباشر مع الجمهور.

كما يمكن للإعلام التقليدي التعاون مع وسائط أخرى، مثل الوسائط الاجتماعية والمدونات والبودكاست والقنوات الرقمية الأخرى، مما يسهم في التعاون بصورة أوسع. مع الجمهور والوصول إلى فئات متنوعة من المستخدمين.

إجمالا..منحت القمة الإعلامية بالصين التي تعد منصة عالمية مهمة للتبادلات والتعاون رفيع المستوى في مجال الإعلام، “قبلة الحياة” للإعلام..ويبقي التطبيق العملي لمخرجات القمة المهمة التي نظمتها وكالة “شينخوا” واستضافتها مقاطعة جواندونج.
لقد قدمت وكالة “شينخوا” للقمة
الإعلامية رائحة صينية خالصة، فشعر المشاركون بكرم الضيافة وتذليل كافة العقبا ت لأداء مهماتهم التي ذهبوا من أجلها..انتهت القمة وبقيت رائحتها الذكية، ومناظر أنهار وبرج وخضرة ومتاحف جوانز و خالدة في الأذهان..ولن تنسى الوفود العربية وجوه وأسماء أعضاء البعثة الصينية المرافقة لنا..فالصحفية سلمى وصخر وأنيس بذلوا أقصى جهدهم. لنؤدي عملنا الإعلامي ونعشق الصين.

زر الذهاب إلى الأعلى