مقالات الرأى

مايسة السلكاوى تكتب : دولة المماليك 4/2

0:00

قد يتساءل البعض كيف استطاع المماليك وهم عبيد جلبوا من أسواق النخاسة من أمم وأعراق مختلفة بل متنافرة لا يجمعهم سوى الطمع فى السلطة ، استطاعوا وهم غرباء على المصريين أن يتحكموا فيهم ويتعمدون ايذائهم و اذلالهم .
بدأ تاريخهم حين إستعان بهم الخلفاء العباسيين ليكونوا جنودا يخوضون المعارك وحراسا على الحدود لمواجهة هجمات أعدائهم . وكان الخليفة العباسى المعتصم بن هارون الرشيد أول من استكثر جلب المماليك الأتراك لقوة ابدانهم وضعف عقولهم وسذاجة تفكيرهم لحماية سلطانه وسلطته على الخلافة ، لكنهم خزلوه وعاسوا فى البلاد فسادا حتى كثرت شكاوى أهل بغداد منهم مما اضطره لإبعادهم ، فبنى لهم مدينة عسكرية خاصة بهم فكانت “سامراء” . ولكن أتاح لهم هذا الحل فرصة الترقى فى المناصب العسكرية والإدارية حتى عين منهم حكاما لولايات كبيرة ، فكانت مصر من نصيب أحمد بن طولون فانفرد بحكم مصر مؤسسا الدولة الطولونية ،وكما فعل المعتصم استكثربن طولون من جلب وشراء المماليك لدرجة أنه حاول نقل مقر الخلافة العباسية إلى مصر وكان الخليفة هو المعتمد ولكن أخوه وولى أمره تصدى لهذه المحاولة .
انتعشت تجارة الرقيق فى تلك الفترة ونشط عمل النخاسون لجلب المماليك الصغار من شتى البلاد حتى من البلدان الأوروبية لدرجة أن الآباء كانوا يتنافسون لبيع أولادهم لما ينتظرهم من مستقبل باهر أملا فى توليهم أعلى المناصب أو يكونوا أمراء أو سلاطين ، فمثلا أصبح خوشقدم وهو ألمانيا سلطانا على مصر وكذلك بيبرس وكان روسيا ولاجين من بلاد البلطيق وكتبغا من المغول . فعلا أجناس غريبة حكمت مصر أثناء دولة المماليك .
وعلى الرغم من رغبة الخلفاء العباسيين فى جلب المماليك لبناء قوة عسكرية تدعمهم للمحافظة على سلطتهم ومواجهة خطر الصليبيين وأيضا العرب ، إلا أن المماليك تجرأوا عليهم بالضرب والسحل وأحيانا بالقتل بل وخلعهم عن الحكم وذلك على مر تاريخهم .
ولمواجهة خطر الصليبيين لجأ الصالح نجم الدين الأيوبى ملك مصر إلى الإكثار من جلب المماليك وأقام لهم معسكرا لتدريبهم بجزيرة الروضة فى قلعة على بحر النيل فكان منهم المماليك البحرية التى حكمت مصر فيما بعد ، وفى أول مواجهة لهم مع الصليبيين أثبت المماليك جدادراتهم فى معركة المنصورة وأسروا لويس التاسع ملك فرنسا ، فأصبحوا بهذا النصر قوة عسكرية لا يستهان بها ، وساعدتهم الأقدار حين مات أستاذهم وسيدهم الملك الصالح نجم الدين فراودتهم الآمال للوصول إلى السلطة وقد كان ، حيث طلبت شجرة الدر زوجة الملك الصالح إستدعاء توران شاه ابن زوجها من ” كيفا” ليتولى العرش فكان أهوجا ولم تكن له دراية بأساليب الحكم فأطلق سراح لويس التاسع مقابل فدية مالية مما تسبب فى غضب المماليك فتكالبوا عليه وقضوا عليه ضربا ثم حرقا ثم غرقا فى بحر فارسكور. وبذلك طويت صفحة حكم الأيوبيين .
كانت شجرة الدر إمرأة قوية صلبة الإرادة زكية استطاعت بدهائها إخفاء موت زوجها حتى لا تنهار الروح المعنوية للمقاتلين لحين وصول ابنه ليتولى الحكم ، وتقديرا لمكانة الملك الصالح لدى المماليك أجمعوا على توليتها الحكم ، وفى أى الحالات كان إختيارهم لها هو الأفضل من أن يتولى أى من الأيوبيين . فإنها منهم فهى تركية بيعت فى سوق النخاسة مثلهم فأشتراها الملك الصالح ثم أعتقها وتزوجها وأنجبت منها ابنه “خليل” لكنه مات صغيرا، استمرحكمها لمصر ثمانين يوما وكانت تجتمع فى القلعة بقادة المماليك منهم أيبك وأقطاى وبيبرس وقلاوون وتوقع على القرارات والمراسيم باسم “أم خليل” .
وهنا يأتى السؤال أين المصريين من كل المشاورات والتدابيرالتى تجرى فى أبراج القلعة لإختيارمن يحكمهم ؟! ببساطة كانوا ينتظرون ويبتسمون ويسخرون من تولى إمرأة الحكم ورد فعلهم الوحيد هو ” النكات ” فعلى ما يبدو ان النكتة موروث قديم للتعبير عن الرأى !!
لكن فكرة تولى إمرأة الحكم كانت مرفوضة تماما من الخليفة العباسى رغم ضعفه لكنه هو من يمنح الشرعية فأرسل لهم قائلا ” إذا كانت الرجال قد عدمت فى مصر .. فأبلغونا كى نرسل إليكم رجلا ” . تلك العبارة كانت قاسية عليهم . ولأنهم كانوا يطمعون فى السلطة و لا يأمنوا لبعضهم ، قرروا بأن تتزوج شجرة الدر من عز الدين أيبك لأنه أقلهم طموحا فى الحكم ومن السهل خلعه على أن تكون هى الحاكم الفعلى وأيبك مجرد إسما لضمان الشرعية .
قويت شوكة أيبك وتخلص من عدوه اللدود أقطاى فقد أمرقطزوكان من مماليكه أن يقتله ، كما قررالزواج من ابنه حاكم الموصل لتدعيم سلطانه ، فدبت الغيرة فى نفس شجرة الدر وقررت التخلص منه فأمرت بقتله فدبرت زوجه ايبك الأولى” أم على”قتلها وتولى إبنها “على” العرش ولأنه كان صغيرا عين قطز وصىيا عليه وكان من المماليك الخوارزمية .
بعد سقوط بغداد على يد المغول وما أصابها من خراب ودمار أصبح التخوف من تكرار ذلك فى الشام ومصر ويكون مصيرهما مثل العراق وإيران فاستغاث السلطان يوسف حاكم دمشق بسلطان مصر لإنقاذ الشام فأدرك قطز بحسه العسكرى والسياسى خطورة الموقف ، فدعا إلى مجلس حرب حضرة كبار القادة وحرص قطز على حضور علماء الدين يتقدمهم الشيخ عز الدين بن عبد السلام وأستعرض خطورة الموقف وما يحتاجه الجهاد إلى المال فاقترح العز أخذ الأموال من الشعب لتلبية احتياجات الحرب ! وتساءل قطز كيف يتأتى لمصر القبام بدورها وعلى رأسها سلطان صغير لا يعرف تدبير الأمور فكان رد المجتمعين بمثابة مبايعة جماعية لقطز من قادة الجيش وعلماء الدين وأعلن نفسه سلطانا على مصر تحت اسم السلطان المظفر سيف الدين قطز .
واجه قطز المغول بعد قتله لرسل المغول وتوجه نحو عكا فى جيش كبيرفكانت معركة عين جالوت فحقق نصرا كاسحا بعد أن ذبح قائدهم كتبغا . وكان قطز قد وعد بيبرس بولاية حلب لكنه تراجع تخوفا من أطماعه ، وفى طريق عودته أنقض عليه بيبرس وأعوانه فقتلوه لهذا السبب ولأن قطز قتل أقطاى أستاذ بيبرس ومعلمه .
كما نرى لغة القتل هى السائدة منذ اللحظة الأولى لبداية سيطرة المماليك على السلطة حين قتلوا توران شاه ثم أقطاى يليه أيبك فشجرة الدر وأخيرا سيف الدين قطز .
وللحديث بقية .. سلاطين المماليك والمجتمع المصرى

زر الذهاب إلى الأعلى