مقالات الرأى

مايسة السلكاوى تكتب: دولة المماليك 3/1

0:00

لا تزال ذكرى المماليك فى وجدان المصريين رغم تعاقب كثير من الدول والعهود على مصر منذ الفتح الإسلامى بدءا من الدولة الطولونية والإخشيدية ثم الفاطميون الذى استمر حكمهم لأكثر من 200 سنة ، فالدولة الأيوبية و تلتها دولة سلاطين المماليك والتى استمرت نحو 300 سنة ، لكنها فى حقيقة الأمر قاربت 600 سنة حيث استمر نفوذهم فى ظل الحكم العثمانى 294 سنة حتى كانت نهايتهم بمذبجة القلعة 1811م فى عهد محمد على باشا .
ظل المصريون طوال تلك الحقب التاريخية يعيشون على أرضهم وهم غرباء فى بلادهم ، لا علاقة لهم بما يجرى ولا إرادة لهم فى إختيار من يحكمهم . فمبدأ القوة هو السائد ، فمن القراءة الجيدة للتاريخ يتأكد أن الضعيف يجنى ثمار ضعفه قهرا وإذلالا أما القوى يتفاخر بقوته ويزيد من العنف والقسوة ، فقد فرط المصريون طويلا فى شأن أنفسهم حين فرطوا فى شرف الدفاع عن وطنهم وتركوا تلك المهمة للعبيد حتى سيطروا على الحكم بالطريقة التى تتناسب معهم . على الرغم من قسوة هذا الوصف ، لكنه الواقع الذى سمح للعبيد الأرقاء أن يحكموا شعبا حرا صاحب أقدم حضارة ، فتولدت لديهم عقدة فأزدادوا فى طغيانهم .
عاشت مصر أسوأ عصورها تحت حكم المماليك حيث استشرى التخلف والظلم وعلى الرغم من نجاح الغزو العثمانى فى هزيمة المماليك 1517م إلا أن العثمانيين لم يجدوا أفضل منهم لجباية الضرائب من المصريين لما لديهم من قدرة هائلة على البطش والعنف ، ويتفرغوا هم لمواجهة الإمبراطورية الروسية ، لدرجة أن المماليك استحوذوا على حق جباية الجزية التى فرضها العثمانيين على مصر لصالحهم . ووصف على مبارك تلك الفترة قائلا : انحلت عرى الضبط والسياسة واختل حال الرعية وقل الأمن وكثر اللصوص وقطاع الطرق حتى صاروا يدخلون البلاد للسلب والنهب جهارا ليلا ونهارا بلا مبالاة وكثرت الرشوة للحكام ( الأتراك ) واتسع نطاقها حتى صارت أمرا معتادا .
رغم كم المعاناه والظلم والمآسى التى عاشها المصريون إلا أن هناك علاقة أو عاطفة ما يحملها البعض لفترة حكم المماليك ، ربما لما حققه بعض قادتهم أمثال قطز وبيبرس فى القضاء على المغول وصد هجمات الصليبيين ، وأيضا لسبب الكم الهائل من الآثار التى تركها سلاطين المماليك وأمراؤهم ووجهاؤهم والشاهدة على تقدم فنون البناء والعمارة والزخرفة فى تلك الفترة ، فكانوا يتنافسون على البناء ببذخ المساجد والأضرحة والأسبلة والمدارس والقصور والمارستانات والخانقاوات ووقف الأراضى للإنفاق عليها ، مع إن كل هذه الثروات كانت من حصيلة عرق ودماء المصريين ! ربما تكون تلك الأعمال تأكيدا على حسن إسلامهم والتودد من خلالها إلى الله وتكفيرا على ما اقترفوه بحق المصريون ! .
على الرغم من جذورهم المتواضعة إلا انهم نجحوا فى استثمار امكانيات مصر وموقعها المتميز إلى جانب قوتهم وخبراتهم العسكرية فى أن تكون مصر قوة مسيطرة عسكريا وتجاريا بين دول البحر المتوسط – وهذا ما سنتناولة فيما بعد – لكن على الجانب الآخر فإن غطرستهم العسكرية اثرت بالسلب على حياة المصريين سواء فى القاهرة أو الأقاليم فنالوا نصيبهم من القمع والوحشية فحكموا مصر كما لو كانت إقطاعية خاصة لهم أو كما نسميها الآن ” عزبة ” فكثيرا ما قاموا بالهجوم على السكان وذبحهم ونهب ثرواتهم بل والإستلاء على زوجاتهم .
عاش المماليك وماتوا فى مصر وهم غرباء عن أهلها لا تربطهم بهم أى عاطفة أو نسب لا يخالطوهم ولا يصاهروهم ولا يتكلمون لغتهم فكانت مصر بالنسبة لهم إقطاعات عسكرية يتخاطفونها حتى أصبح السلب والنهب والتعدى على أموال الناس عرفا وقانونا تماما كما وصفهم المقريزى وكان معاصرا لهذه الفترة : ليس لهم صناعة إلا نهب البضاعة يتفقون على الضعيف ويشرهون حتى الرغيف جهادهم الإخراق بالرئيس وغزوهم فى التين والدريس
فكان المماليك البحرية يسكنون قلعة بجزيرة الروضة بناها لهم السلطان نجم الدين أيوب ومنها جاء الظاهر بيبرس البندقدارى مؤسس دولة المماليك البحرية نسبة لقلعة البحر التى عاشوا فيها بالروضة ، وكانوا من الأتراك والمغول استمر حكمهم 132 سنة منها 17 سنة حكم فيها بيبرس وحوالى 50 سنة هى مدة حكم أسرة المنصور قلاوون .
أما المماليك البرجية وهم جراكسة سكنوا أبراج القلعة لذلك أطلق عليهم المماليك البرجية ، أسسها سيف الدين برقوق واستمر حكمها 135 سنة تقريبا وانتهت مملكتهم بهزيمة السلطان طومان باى وشنقه وتعليق رأسه على باب زويلة .
.. وللحديث بقية مع من هم المماليك وكيف جاءوا إلى مصر .

زر الذهاب إلى الأعلى