مقالات الرأى

مايسة السلكاوى تكتب: الرجل الثانى 1/2

0:00

القيام بدور الرجل الثانى من المهام الصعبة خاصة فى الحكم والسياسة ,فلا يجيدها إلا القليل جدا, يروى لنا التاريخ الكثير عن انهيار دول وممالك بسبب بسبب الرجل الثانى نتيجة الطمع والنفوذ ,وهناك سعداء الحظ فى اختيارهم للرجل الثانى فكان لهم الصديق الوفى والمعين على تحقيق أمن واستقرار بلادهم .
إسماعيل صديق وعرف باسم إسماعيل المفتش الرجل الثانى للخديو إسماعيل حتى أطلق عليه الخديوى الصغير أو الصدر الأعظم المصرى فكان أخو الخديوى فى الرضاعة والحائز على ثقته المطلقة .
لعب المفتش دورا مؤثرا فى السياسة المصرية خلال تلك الفترة من تاريخ مصر فكانت فترة محورية تغيرت بعدها احوال مصر تماما .تضاربت الآراء حوله فمنهم من وصفوه بالوطنية صاحب خطوات جادة فى الإصلاح والتغيير والعمل لصالح المواطن المصرى ,ورأى آخر تبناه على باشا مبارك وعبد الرحمن الرافعى وكتاب اجانب بأنه كان سببا فى انهيار الإقتصاد المصرى باعتباره وزيرا للمالية لمدة ثمان سنوات ويرجع إليه السبب فى استدانة الحكومة لنحو 80 مليون جنية ,وأنه قد حاكى الخديوى فى البذخ والاسراف وبناء القصور وامتلاك الجارى والمحظيات فكان نفوذه يضاهى نفوذ الحاكم نفسه .
وتبدأ حكاية إسماعيل صديق الذى ولد سنة 1830م بأسيوط فوالده دونالى مصطفى اغا باشا من قادة الجيش المصرى ووالدته كبيرة وصيفات القصر وصديقة شخصية لخوشيار هانم والدة الخديو وهو أيضا أخو الخديوى فى الرضاعة , اختلفت الاقوال حول تعليمه فقيل إنه لم يكن على درجة عاليه من التعليم ولا يتكلم سوى العربية ولكن عندما تم فرز مكتبته الخاصة بمنزله وج أنها احتوت على الكثير من فروع العلم والمعرفة والعلوم الدينية وكتب بلغات متعددة منها الفارسية والإنجليزية.
لم يتولى اسماعيل المفتش وزارة المالية من فراغ لكنه تدرج فى الوظائف فبدأ حياته مفتشا لإقليم بردين بالشرقية ثم للسنطة فمفتشا لإقليم الوجه البحرى وأثبت جدارة فى عمله حتى تولى منصب مفتش عموم الأقاليم ونال رتبة الباشوية ومن هنا جاء لقب المفتش .
عينه الخديوى ناظرا للمالية لمدة ثمان سنوات من 1868-1876م ما عدا فترة وجيزة تولاها عمر باشا لطفى 1873م عاد بعدها للوزارة مرة أخرى ,حظى خلا تلك الفترة على ثقة ورضا الخديوى فكان يوفر له ما يطلبه من اموال .
يقال إن المفتش استفاد من وظيفته ونجح فى تكوين ثروة هائلة فاقت ما يملكه أى أمير من الأسرة الحاكمة فكان ينفق ببذخ ملحوظ هذا ما جاء بكتاب تقويم النيل مصحوبا بكافة نفقاته الشخصية .
واحقاقا للحق فإن مشكلة القروض بدأت قبل توليه الوزرارة منذ أن تدهورت اسعار القطن بسبب انتهاء الحرب الأهلية بامريكا 1865م وتدهورت معه الملكية العقارية بظهور الاستدانة بضمان الأراضى بالنسبة للفلاحين والخديوى نفسه الذى توسع فى الاقتراض لسداد مديونيات سابقة إلى جانب الديون التى تركها سعيد باشا وكانت 18 مليون جنية , بالإضافة إلى ذلك البذخ والاسراف على احتفالات افتتاح قناة السويس 1869م حتى كانت النتيجة المحتومة وهى عدم قدرة الحكومة على سداد القروض فتم انشاء صندوق الدين ليتولى تسليم المبالغ المخصصة لتسدسد الديون من المصالح المحلية فكانت ثانى هيئة دولية رعد المحاكم المختلطة للتدخل فى أخص شئون مصر ثم تم توحيد الديون المصرية فيما عرف بالدين الموحد وقدرة 91مليون جنية انجليزى ثم انشاء مجلس أعلى للمالية مؤلفا من عشرة أعضاء منهم خمسة اجانب وخمسة وطنيون لكن لم تقتنع انجلترا بذلك فاتفقت مع فرنسا على إرسال بعثة منهما تمثل الدائنين وهى ما عرفت باسم -جوشن وجويير -وفرضت الرقابة الأوروبية على المالية المصرية, لكن ذلك اغضب إسماعيل المفتش خوفا من السيطرة الاجنبية وان صحت وجهة نظرة ولكن بعد فوات الأوان.
ومن هنا بدأت نهاية الرجل الثانى حيث اجمع المقربون وأبناء الخديوى على ضرورة ابعاد المفتش لانه الحل الوحيد لإنجاح مهمة المفتشين الأجانب وإنقاذ الخديوى من الورطة المالية ,
لكنه رفض بشدة وبعد مشادات عنيفة قدم المفتش استقالة شديدة اللهجة للخديوى , فقرر الخديوى التخلص منه خاصة وأن المجلس الخصوصى قرر محاكمته فخشى من اشراكه معه فى مسؤلية تبديد أموال الدولة كما دبر مشروعا لمحاكمته بتهمة التآمر وإثارة النزعة الدينية ضد مشروع جوشن وجوبير .
وبالفعل دعا الخديو إسماعيل المفتش لزيارته بسراى عابدين فظن المفتش أن الأمور تحسنت ثم اصطحبه للتنزه معا إلى سراى الجزيرة -فندق الماريوت الآن – وفى طريقهما مرا بسراى المفتش بحجة أن يسلم الخديوى على ابنته بالتبنى وكانت زوجة ابن المفتش وفى قرارة نفسه أن يكون الوداع الاخير لأسرته.
وعند وصولهما سراى الجزيرة امر الخديوى الحرس بالقبض على المفتش ونفيه إلى دنقلا عن طريق مركب امام السراى واختفى المفتش .
تضاربت الآراءحول موته فمن قال إنه لم يصل إلى دنقلا ومات فى الطريق ومن قال إنه مات من كثرة السكر وقول ثالث أنه مات خنقا ورابع بأنه انتحر .لكن جاء فى الجريدة الرسمية أنه سعى لتدبير مؤامرة ضد الخديو. وتم اتهامه بالخيانه والتحريض على الثورة .
كانت هذه نهاية الرجل الثانى أشهر وزير مالية فى مصر *وصفه المؤرخون أنه من أدهى الساسة الماليين فى عصرنا * .

زر الذهاب إلى الأعلى
اكتب رسالتك هنا
1
تواصل معنا
اهلا بك في بوابة " مصر الآن"