مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب: لا تَخَفْ!!

0:00

استوقفتني قصةُ أحدِهم بعدما جاء ترتيبُه الثاني على مستوى الجمهورية في الثانوية العامة، اختار في التنسيق الجامعي وقتئذٍ كليةَ التربية رغبةً أولى، والمبرر أنه لن يستفيد شيئًا من دخول (اقتصاد وعلوم سياسية) أو (إعلام)؛ لغياب (الواسطة) وفرص العمل. حينها غصّ قلبي، أتعلمون لماذا؟! لأنه هكذا تموت الأحلام، وتُطيح المعتقدات بطموحات الكثيرين في بلادنا.

أنا بالفعل أعذرُ من قام بهذا التنازل عن طموحه وأهدافه، لأنه لم يواجه الواقع كما يعتقد، بل واجهَ معتقداتِ مجتمع لا تؤمنُ بقُدرة الخالق الإيمانَ الحق، ولم يَرِدْ على مسمعِها ويستقرْ في قلبها قولُه تعالى “لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا” ( الطلاق _ 1 )، وخسر بالنهاية، ليس بالضرورة هنا أن تكون الخَسارةُ ملموسة بل هي خسارة معنوية جسيمة، فرغم كونِ مَن تحدثتُ عنه في بداية المقال قد صار أستاذًا جامعيًّا مرموقًا، إلا أنه خسر، فقد تنازل عن طموحٍ وحُلمٍ خوفًا من المستقبل، هذا الغيب الذي اختص الله ذاتَه العليا وحدَها به، فلا يعلمُ الغيبَ إلا الله.

نحن في رحاب أيامٍ طيبةٍ مباركة، نحتاج فيها للتقرب من رب العباد، ليس تقرُّبَ عبادة بقدر ما هو تقربُ يقينٍ وثقةٍ بالله وإحساسٍ بوجوده وإيمانٍ عميق بأنه لن يُصيبَنا إلا ما كتبَ اللهُ لنا.

وإيجازًا بعد استرسال، يا أيها الشبابُ والفتياتُ الذين يُقللون من سقف طموحاتهم، إياكم أن تفعلوا!! خذوا بالأسباب واتركوا التدبيرَ لله، يا أيها الأبُ الذي يخاف على أبنائه من الزمن والعَوَز و غلاءِ المعيشة، لا تفعلْ، وثِقْ بأنه:
ما بين غمضةِ عينٍ وانتباهتِها // يُغَيِّرُ اللهُ من حالٍ إلى حالِ.
يا أيتها الأم التي تشتري وتُخزن وتجتهدُ في تأمين مستقبل بناتها، أنصحُكِ توقفي، فالرزقُ بيد الله، أحسني تربيتَهم وتعليمَهم واستودِعيهم ربَّ العالمين.

لنقف مع أنفسنا قليلًا ونسألها: يا نفسُ، لماذا القلقُ والجَزعُ والخوف؟ لماذا الهمُّ والتوتر والضيق، وأمرُنا كُلُّه بيد الخالق؟! أليس الثابتُ الوحيدُ في هذا الكون هو التغيير؟! إذن كُوني على ثقةٍ ويقينٍ صادقَيْن ولسانٍ مؤمنٍ بقوةِ الدعاءِ وحِتمية الاستجابة. إن ما أراه وغيري مستحيلًا، هو على الله هَيِّن. دمتُم طامحين وللعُلا متطلعين، لا تُقيدكم حدود، مادام ربُّ العالمين موجودًا.

زر الذهاب إلى الأعلى