مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب: ذهبتْ ولم تعُد!!

0:00

ضاعتْ منا الأشجارُ أو لعلها غادرتنا حين أسأنا إليها بكل الطرق؛ فقد عطَّشناها، أحَطْناها بالقُمامة، أثقلنا أوراقها بالأتربة والعوادم، لم نمنحها الذكريات السعيدة التي تتمنى، ذكريات الطفولة والأحبة، عندما كنا نرتبط بالأشجار لا الأبنية!!

أتذكَّر وأنا طفلة صغيرة إجهادَ عيني من متابعة الأشجار على جانبي الطريق من السيارة، وسؤالي لوالدي ببراءة لماذا تجري الأشجار؟! لأكتشفَ الحقيقةَ عندما كبرت، أنها هربت بالفعل!! هربتْ وتركتْنا نصطلي بحرارة الشمس الحارقة ونترحم عليها!!

أتدرون أن متوسط نصيب الفرد من المساحات الخضراء في مصر على اتساع رقعتها 17 سنتميترًا فقط!! مساحة لا تضمن وقوفك على قدَمٍ واحدةٍ كالنعامة في ظل شجرة، وهو أدنى بكثير من التوصيات العالمية، حيث يجب ألا يقلَّ نصيبُ الفرد عن تسعة أمتار مربعة من المساحات الخضراء.

فمنذ عام 2014م، ومع انطلاق الثورة العمرانية بمصر تم إزالةُ مئات المنازل، وكذا قطع آلاف الأشجار لتوسيع الطرق، دون تعويض هذه المساحات الخضراء، واكتفينا فقط بتغليف بعض الكباري بأوراق الشجر البلاستيك والنخيل الصناعي، إمعانا في الاستهانة بالتوازن البيئي!!

وما لم أستطع أنا وغيري استيعابَه حتى الآن القطعُ الجائر للأشجار بل مذبحةُ الأشجار التي تشهدها شوارعُ محافظات مصر جميعها دون استثناء، لتختفي الأشجار على جانبي الطرق وبجوار البيوت ومحطات المترو والطرق السريعة، وكأنها فيروس يلزم مكافحته الآن وليس غدًا!! وهنا تحضرني الصورة الشهيرة لأحد المنازل بإحدى الدول الأوروبية والذي تتوسطه شجرة لم يجرؤ صاحبُ العقار على قطعها، فصممَ المبنى كي يحافظ عليها ولا يمَسَّها بسوء!!

لذا أتوجه بالعديد من الأسئلة لمن يهتم: هل الأشجار هي التي تعوق سيولة المرور أم السيارات القديمة والمتهالكة، وتلك التي تتخذ من جانبي الطريق موضعًا للركن؟! هل الأشجار هي التي تشوه منظرَ التجمعات السكنية أم القُمامة الملقاة والمتراكمة كالتلال بين البيوت؟! هل الأشجار هي ما تزعجك كل صباح بسبب زقزقة عصافيرها أم أبواق ونفير السيارات الذي لا يتوقف؟! هل الأشجار يضايقك منظرها وتتعافى بمشهد الأبنية الصماء وهي تنفث حرارة أجهزة التكييف في الجو لتَزيدَه لهيبًا؟! هل تخنقك الأشجار لهذا الحد؟!!

لقد استضفنا (Cop 27) نوفمبر ٢٠٢٢م، وأطلقنا مبادرة زراعة (100 مليون) شجرة حتى العام 2028م / 2029م، ونتبني إستراتيجيةَ التحول نحو الأخضر، ونحن كذلك من أكثر دول العالم تضررًا من تبعات التغير المناخي، ورغم ذلك نقتلع الرئةَ التي نتنفس بها، ضمانَنا الوحيد للصمود أمام ظاهرة الاحترار العالمي، أي منطقٍ هذا؟!!

يجب القطع ولكن ليس للأشجار، وإنما للأيدي التي تمتد نحوَها لتحرمَنا وتحرمَ الأجيال القادمة من الحياة في ظلالِها.

زر الذهاب إلى الأعلى