مقالات الرأى

د.إيمان إبراهيم تكتب: من القاضي؟!

0:00

بالأمس القريب حضرت حفل إشهار وتوقيع كتاب لمؤلفة فلسطينية، سلطت الضوء على قضيٍة هامة للغاية، وهى “انتهاكات حقوق الطفل الفلسطيني”، لتبدأ حديثها متسائلة من القاضي؟!

من القاضي الذى حكم على هؤلاء الأطفال بتلك الانتهاكات التي سلبتهم أبسط حقوقهم واحلامهم المتضائلة، وهى احتضان دميتهم واللعب بها وسط الرفاق في المتنزهات العامة أو الشوارع والأزقة الضيقة، وعندها نظر اليها جميع الحضور من مختلف الجنسيات العربية في شجن بالغ، والبعض فاضت عيناه من الدمع، عندما تعمقت الكاتبة في حديثها عن معاناة الطفل الفلسطيني.

وكيف يمكن قتله بيد الاحتلال الغاشم وهو بين احضان أمه على مسمع ومرأى من الجميع، ودون قدرٍة لكائنٍ من كان على الدفاع أو الاعتراض على قتله، وعندها ساد الصمت أرجاء المكان، وكأنها القت بجبلٍ على كتف كل الحضور، ونظراتها تتساءل في صمت أين أنتم يا معشر العرب من معاناة وانتهاكات حقوق أطفال فلسطين؟!.

وبعد الانتهاء من ذلك الحفل انتابني الوهن واليأس الشديد الذى جعلني أحمد الله على ما نحن فيه من أمن وأمان، وفى نظرة محدقة تولدت بداخلي مجموعة من التساؤلات منها أين عروبتنا ؟ هل ضاعت في غيابات الجب، وأين أبنائنا مما نشأنا عليه نحن الآباء والأمهات في البيوت والمدارس، أين نشيد “بلاد العرب أوطاني وكل العرب إخواني *** لنا ماضٍ نمجده وتاريخ لشجعاني” الذى كان ضمن المقررات الدراسية في المدارس ليجسد للطفل تاريخ البلدان العربية ويفتخر بمجدهم.

أين مدرس اللغة العربية الذى كان يسأل تلاميذه من هم أطفال الحجارة ليحدثهم عن معاناة هؤلاء الأطفال؟ أذكر أن يوم مقتل محمد الدرة كان يومًا حزينًا في حياة كل طفل مصري وسجل التاريخ تفاصيل مقتله في ذاكرة كل طفل عربي، فهل لا زال نفس المدرس يحدث أبنائنا عن معاناة أطفال سوريا وغيرها من أطفال البلدان العربية؟!! …

وفى ثبات عميق انتابني تساؤل آخر من المسئول ولصالح من تغيّب عقول ابنائنا والتفكك الذى نعيشه بدءً من التفكك الأسرى مرورًا بقطع صلة الأرحام وحالة عدم الانتماء للوطن الذى يعيشها البعض، وانتهائًا بعدم معرفة أبنائنا شيئًا عن بلدان الوطن العربي، في مقابل وضع الدول الأوروبية كنموذج يحتذى به ويسيطر على عقولهم!!.
فكل ذلك يشير إلى أن منظومة التعليم والقيم التي تربينا عليها قد تغيرت في ظل غياب دور الأسرة والإعلام بل والمؤسسات التعليمية، تجاه مسئولياتهم وعلى رأسها مسئولية تربية وتعليم الأبناء وتثقيفهم، وتجاهلنا فقه الأولويات الذى من المفترض أن تكون تنشئة الأجيال وتربيتهم على القيم والانتماء في مقدمة هذا الفقه.

وبهذا يتنحى كل هؤلاء عن الدور المنوط بهم في التنشئة الأسرية والاجتماعية للأبناء في عالم يزداد اشباعًا برقمنة وسائل الإعلام، ليكون الهوى هو سيد الموقف، وتركنا أبنائنا لما يستهويهم ويستقطبهم عبر هواتفهم النقالة، ليتجرعوا ونتجرع معهم مرارة التيه واللعب بعقولهم وتدمير هويتنا وتغيير معالم خريطتنا العربية وطمس مقدساتنا وتبديل الحقائق، لتتخبط الأجيال القادمة وتعيش في حالة من الزيف واللاموضوعية.

فنحن جميعًا من آباء وأمهات ومؤسسات مسئولة عن تنشئة الأبناء نحتاج إلى غرفة إفاقة نقطن بداخلها حتى نعى حقوق هؤلاء الأبناء، وما يحتاجون اليه من جرعات مكثفة من القيم، الثقافة، العلم والوعى الذى يتسلحون به ويجعلهم يحملون لواء المسئولية تجاه انفسهم وأسرهم، بل وأوطانهم، لنفتخر جميعًا بعروبتنا، ويفتخر الطفل العربي ايضًا بانتمائه لهذه الأوطان العربية وسط أطفال العالم بكل عزة وشموخ ويؤازر كل منا الآخر، ونكون نحن العرب كالبنيان المرصوص لكى نتصدى لأى عدوان غاشم ينال من أمتنا العربية وحتى لا نتساءل يومًا ما عن حقوق أطفالنا ونقول من القاضي؟!.

زر الذهاب إلى الأعلى