مقالات الرأى

خالد اسماعيل يكتب : حكاية عن الكاتب الراحل عبدالوهاب الأسوانى

0:00

فى ثمانينيات القرن الماضى ، عرفت اسم الكاتب الروائى والقاص والصحفى الراحل عبدالوهاب الأسوانى ،لأن الصديق “محمود مطر”ـ الكاتب الصحفى ونائب رئيس التحرير فى مجلة الإذاعة والتليفزيون ـ كان يزاملنى فى غرفة السكن الجامعى بسوهاج وكان يزاملنى فى “قسم الصحافة ” واشترى رواية “أخبار الدراويش”،وهى رواية صغيرة الحجم “صدرت عن سلسلة فصول “،غلافها لونه أخضر، وعلى ظهر غلافها الأخير كتب الناقد الراحل “سامى خشبة ” عبارة أربكتنى ،قال فيها “مرة أخرى يعود الكاتب عبدالوهاب الأسوانى إلى قريته النوبية “،ووقعت فى تناقض،فالرواية تتكلم وتصف مجتمعا شبيها بمجتمع “كوم العرب ـ سوهاج” قريتى وموطن أهلى ، مجتمع العربان والعمائم والشوم والعصى و”غلض الراص”، لكن “قريته النوبية ” التى تكلم عنها “سامى خشبه،لاوجود لها فى الرواية ، فالنوبة مجتمع يختلف عن مجتمع عرب الصعيد عموما ،فى العادات والتقاليد ،ومضت السنوات ، وشاءت الأقدار أن ألتحق بمجلة الإذاعة والتليفزيون ،المجلة العريقة ،وسمعت اسم “عبدالوهاب الأسوانى ” مرة أخرى ، وفهمت من المتحدثين أنه كان “محرر مراجعة “ـ ديسك مان بلغة المهنة ـ وأنه محبوب من الزملاء وأنه روائى له أعمال كثيرة وقاص له مجموعات قصصية ،وفى يوم من الأيام ، عرفت “أهم أعمال عبدالوهاب الأسوانى “،إنه صديقى وزميلى الكاتب الصحفى “سامح عبدالوهاب الأسوانى “،وقد اهتديت له بقلبى ،ومحبتى لوالده النبيل ،فالذى حدث هو أن “عم أحمد صالح” المعاون الفنى بمجلة الإذاعة كان يجلس على كرسيه فى مقر المجلة فى شارع جامعة الدول العربية “الملحق الإدارى لعمارات الكوثر”، وكان بجواره شاب تبدو عليه الطيبة والبساطة والبشاشة ،وخاطبنى “عم أحمد ” وهو صعيدى من “قوص”بقوله “عارف مين ده؟”،وعلى الفور هدانى قلبى وقلت “ابن عبد الوهاب الأسوانى “،ومنذ ذلك التاريخ أصبح “سامح “صديقا وأخا لى ، ومن بوابته دخلت عالم “عبدالوهاب الأسوانى “،أعارنى كل كتب والده ،وقرأتها وتعلمت منها الكثير،وفى واحدة من جلساتنا فى قهوة “الندوة الثقافية “، استطاع الصديق “سامح الأسوانى “أن يربط بين اسم ـ العبدلله ـ واسم مجموعة قصص اسمها “درب النصارى ـ 1997″، وقرر مشكورا إرسال نسخة منها إلى الكاتب الكبير”عبدالوهاب الأسوانى ” وكان رحمه الله يعمل فى “المجلة العربية ” بالمملكة العربية السعودية ، ومضت أسابيع ، وتسلمت عبر”سامح” رسالة بخط يد الكاتب الكبير، فيها تحليل وتعليق على قصص المجموعة ، ومن بعدها أصدرت روايتى الأولى “عقد الحزون ـ 1999” ،وقرأها ـ رحمه الله ـ وأعجبته ، ولن أنسى له جميله، فقد كتب مقالة عن الرواية بعنوان “مولد روائى جديد” وأرسلها بالبريد إلى جريدة “العربى ” الناطقة بلسان الحزب الناصرى ،وكان لها إصدار يومى ،ونشر المقال ، وكان بداية دخولى لمجتمع المثقفين فى القاهرة ، وقرأ المبدعون الرواية بناء على تزكية ـ الأسوانى ـ لها ، ولم يكتف بذلك ، بل بشر بها وتحدث عنها فى دوائر إبداعية وثقافية لم أكن أعرف عنها شيئا ولا أستطيع الوصول إليها ،وأنهى ـ عبدالوهاب الأسوانى ـ رحلة العمل وعاد من المملكة السعودية ، وأصبحت ألتقيه وأجلس إليه وأتعلم منه ،وكان رحمه الله من أعلم الناس وأعرفهم بالتاريخ العربى الإسلامى ، وأكثر أدباء جيله احتراما للمواهب الشابة ، وكان عطوفا على الجميع ، يساعد كل محتاج ، بقلب كبير،وهو “شيخ العرب ” المنتمى إلى قبيلة “الخزرج”، ولما ذكرته بجملة “سامى خشبة “التى كتبها على ظهر غلاف روايته “أخبار الدراويش” قال إن “النوبة حضارة عريقة ، والنوبيون تربطهم بقبائل عرب أسوان مصاهرات قديمة “،وكانت أحاديثه معنا ممتعة ،وكان رحمه الله حكاء عبقريا ،يستطيع السيطرة على مستمعيه بكلامه الحلو وأسلوبه الكوميدى المحبب للنفس،ومعرفته الواسعة بالتواريخ والحكايات والأشعار الشعبية ،وفى يوم “3يناير2019” فقدنا “عبدالوهاب الأسوانى “،رحل عن الدنيا ،وبقيت ذكراه الطيبة العطرة.

زر الذهاب إلى الأعلى