مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: زيارة خاصة للإسكندرية

0:00

الإسكندرية مدينةٌ لها مذاقٌ خاص، خاصةً لدى سكانها الذين يعتزون بها أيما اعتزاز، ويتحدثون عنها حديثَ العاشق عن محبوبته، ولدى المصطافين القدماء الذين لا يُقارنون بها مَصِيفًا آخر!! وقد قال عنها رئيسُ جمهورية اليونان السابق بين عامي ( 2015م ) و ( 2020م ) “بروكوبيس بافلوبولوس”: (إن الإسكندرية هي أهم مدينةٍ في العالم بالنسبة للشعب اليوناني) وهو ما ذكره الدكتور “مصطفى الفقي” مدير مكتبة الإسكندرية السابق في تقديمه للعدد الثاني والأربعين من مجلة ذاكرة مصر.

أما الإسكندرية التي رأيتُها فيُميزها النظام حتى المروري عن القاهرة، فأنت على الكورنيش لا تَعبر الطريقَ إلا من أماكن عبور المشاة، والإشارات منتظمة يلتزم بها المواطن والسيارات، لكن كَثُرَ البِناءُ على الكورنيش فبات البحرُ محجوبًا عن الناس وهو أهم ما يُميز المدينة!! تخيّل أنك تضع حائلًا بينك وبين ما يميزك عن الآخرين ويجعلهم يشيرون إليك بالبنان!! وما هالني أكثر أن بعض كَسْرِ الأحجار التي بقيتْ بعد عملياتِ البناء تركها المقاولُ على الشاطئ ليتحولَ في بداياتِه إلى شاطئٍ صخري وهو الرمليُّ بامتياز!! فأين الرقابةُ على ما حدث؟! وهل من أجْلِ جنيهاتٍ يُوفرها المقاول لكي لا يحمل الكَسْرَ إلى مكان آخر يقوم بهذا التأثير السلبي؟!

لم يَفُتني أن أزورَ مكتبةَ الإسكندرية رغم الغُصة التي لا تزال في حَلْقي من كبيرها، لكنها ليست مِلكًا له، وكما جاء سيرحل، لكنني وجدتُها فرصةً لاقتناءِ بعض ما فاتني من أعداد إصدارها رُبع السنوي (ذاكرة مصر)، وهو الإصدار الذي ظهر عددُه الأول في أكتوبر من عام 2009م بمقدمة لمدير المكتبة الأول الدكتور/ “إسماعيل سراج الدين”، الذي تولى المنصبَ منذ الافتتاح في أكتوبر 2002م وحتى مايو 2017م، وهي مجلة تهدف لإعادة كتابة التاريخ المصري بصورة بسيطة تتيح للجمهور معرفة التاريخ الوطني المصري.

ومن أجمل ما زرتُ مُتحف المجوهرات الموجود بمنطقة زيزينيا بقصرٍ بَنَتْهُ السيدة “زينب فهمي” عام 1919م، وأكملته وأقامتْ به ابنتُها الأميرة “فاطمة” ابنة الأمير “علي حيدر” حفيد “محمد علي” باشا، وهو يَعرض بعضَ مقتنيات الأسرة العلوية (1805م _ 1952م)، والمبنى يعكسُ الذوق الرفيع للأميرة (فاطمة علي حيدر) في اللوحات، والأسقف المذهبة، والفسيفساء التي تزين العديد من غرف القصر. وينبغي أن نشيد بالقائمين على هذا المُتحف الذين لا تغيب البسمةُ عن وجوههم في تعاملهم مع الزائرين، وكذلك اهتمامهم وعنايتهم به، غيرَ أنني _ وبحُكم المهنة _ كانت لي ملاحظةٌ على اللغة والأداء في الفيلم التسجيلي الذي يُعرض على شاشة بإحدى القاعات لتعريف الزوار بالمُتحف، وقد أبلغتُها لوكيلته الأستاذة الفاضلة/ “ريهام شعبان”.

وحين ترى في مرورك مباني جامعة الإسكندرية لا بد أن تتذكرَ تاريخَها المشرف الذي بدأ رسميًّا عام 1942م تحت اسم جامعة فاروق الأول، بعد استقلالها عن الجامعة المصرية/ فؤاد الأول/ جامعة القاهرة. في هذا العام 1942م كانت الحربُ العالمية الثانية مشتعلة، وكانت مصر تُشيد جامعةً من أجل العِلم والسلام وخيرِ المستقبل على حد تعبير عميد الأدب العربي “طه حسين” (1889م _ 1973م)، ولك أن تعرفَ عزيزي القارئ أن عددَ سكان الإسكندرية حينئذ قُدِّر بنحو 830 ألف نسمة، لكن عددَ الطلاب بلغ (1171) طالبًا وطالبة (1133 من الذكور، و 38 من الإناث).

وأختتمُ مقالي بما يُخبرنا به الدكتور “محمد حسين هيكل” (1888م _ 1956م) وزير المعارف/ التعليم وهو يتحدث عن فكرة إنشاءِ جامعةٍ ثانية بالإسكندرية: “…. ولم يَصُدُّني عن المُضِي في فِكرتي ما كان يُنادي به جماعةٌ من أهل الرأي في البلاد قائلين إن كثرةَ المتعلمين تعليمًا جامعيًّا والحاصلين على شهادات جامعية تُنشئ في البلد طائفةً من المُتعلمين المتعطلين. فأنا أؤمن بأن التعليمَ لِذَاتِه في كل درجاتِه ومراحلِه من حاجاتِ الحياةِ الضرورية في عصرِنا الحاضر ومِن المقوماتِ القوميةِ التي لا غنى عنها…. “.

زر الذهاب إلى الأعلى