مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: الحَمْقى المشهورون!!

0:00

في كتابه الشهير (أخبار الحَمْقى والمُغفلين) يَذكرُ الفقيهُ والمؤرِّخ “أبو الفرج بن الجوزي” (508 هـ _ 597 هـ) أن مِن خِصَالِ الأَحْمق فرحَه بالكذبِ مِن مدحِه وتأثُّرَه بتعظيمِه وإن كان غيرَ مُستحِقٍّ لذلك، وقال بعضُ الحكماء _ كما جاء في الكتاب: (مِن أخلاق الحُمق العَجَلةُ والخِفَّة، والجفاءُ والغرور، والفجورُ والسَّفَه، والجهلُ والتواني، والخيانةُ والظُّلم، والضياعُ والتفريط، والغَفْلَةُ والسرور، والخُيَلاءُ والفخر، والمكر)… وكلامُ الأحمق أقوى الأدلةِ على حُمقه، والأحمقُ عدوُّ نفسِه؛ لما يُسببه لها من ضرر، إذ الحماقةُ مِن أعظمِ الأدواء التي يُبتلى بها المرءُ في هذه الحياة.

لكنكَ مهما رأيتَ مِن حَمقى ومن حُمق، فهل ترى أحمقَ مِمَّن يُبارز ربَّ العالمين بالحرب، مغترًّا بقوته وقوةِ مَن يُساعدُه، ظانًّا أن إملاءَ الله له ضعف، فيقتل ويَهدم، ويُدمر ويَظلم؟! ثم إن ذلك الأحمقَ يَمُرُّ على مشاهدِ التاريخ فلا يرى عظيمَ قُدرةِ الله وانتقامَه ممن عاداه، ولا عجبَ في ذلك؛ فقد عَبَدَ أجدادُه عِجْلًا بعد ما رأوا معجزاتِ الإله!! والشيءُ من معدِنِه لا يُستغربُ، أو كما قال المثل الشعبي (أبوك البصل وامّك التُّوم (الثَّوْم) منين تجيب الريحة الحلوة يا مشؤوم؟!)!! وهو يَعني أن العِرْقَ دسَّاس (العِرق يِمِد لسابع جِد)، وأن الطبعَ يغلبُ التطبع، وأنَّ مَن شابَهَ أباهُ فما ظلم!!
ومِن علامة حُمق هذا الذي نتحدث عنه ومَن على شاكلته، أنهم ” وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ” ( البقرة _ 11 ).

الحُمقُ ليس له حد، فهو بحرٌ واسع، خاصةً عند من يريد المجدَ المزعومَ لنفسِه من أي باب وبأي فِعل، المهم أن يتصدرَ المشهد!! وقد سُئِل أحدُ أصحابِ العقول: ما حدُّ الحُمق؟ فقال: سألتَني عمَّا ليس له حدّ!!

يُحكى أن مجموعةً من الناس كُتِبَ في تاريخهم وحاضرِهم أنهم حرَّفوا كلامَ الله، وافترَوا عليه، وقتلوا بغير حق أنبياءَ وأطفالًا ونساءَ، وهدّموا مساجدَ وكنائسَ ومستشفيات، ثم إنهم عُرِفوا بقساوةِ القلب وعدمِ الوفاءِ بالعهد، والعناد وعدمِ التسليم لربِّ العباد، وأنهم أصحابُ الاعتراضات الكثيرة، وأنهم بُغاةٌ مُستكبرون، لِنِعَمِ السماءِ مُنكرون، ومع ذلك يدَّعون أنهم شعبُ اللّه المختار!!
” وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا… ” ( الأنعام _ 21 ) فهل ترى أظلمَ من الصهاينة اليوم على وجه الأرض، اللهم إلا من رأى أنهم على حق وساندهم وأمدهم بما يَزيد من طغيانهم؟!

لقد كان تحريفُ الكلام أي تغييره عن معناه الأصلي _ ولا يزال _ من صفاتهم قديمًا وحديثًا يتوارثون هذه الصفةَ جيلًا بعد جيل، فلا ضميرَ يُؤنبهم منذ سمِعُوا كلامَ الله ثم حرَّفوه مِن بعدِ ما عَقَلُوه وهم يعلمون، ” أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ” ( البقرة _ 75 )… إلى أن قصفوا مستشفى المعمداني وقالوا: ما فعلنا شيئًا!!

القتلُ من أعظم الذنوب عند الله ” مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ” ( المائدة _ 32 )، ومع ذلك يُمارسونه بدمٍ بارد، لكنَّ مَن يقتلُ نبيًّا لا يتورعُ أن يَقتلَ امرأةً أو طفلًا!! فما بالكم بمن قتلوا ثلاثةً وأربعين نبيًّا من أول النهار في ساعةٍ واحدة؟!!

إن مَن رضِيَ ومَن أقرَّ بالجُرم، يَستوي هو ومَن أجرم، فَابْرَأْ بنفسِك عن معسكرِ المجرمين أتباعِ الشيطانِ وأوليائِه، واعْلَمْ أن الله _ جل شأنه _ لا يُحبُّ الفساد ولا يُصلِحُ أمرَ المفسدين، وأنه لا يُعْجِزُ ربَّ الناس أنْ يَنْصُرَ مَن تخلَّى عنهمُ الناس.

زر الذهاب إلى الأعلى