ثقافة وابداع

قصتان

بقلم الأديب سمير الفيل

(١) عود ثقاب لما وصل رشيد البيت وجد درية ترضع طفلها على العتبة. ضحكت لرجوعه قبل اكتمال الأيام السبعة التي ذكرها. رأى حلمتها الوردية التي تميل للون البني وهو يعبرها. فزّت من خلفه، وسألته عن أخبار السروح. لم يكن ينصت إليها. طلب منها عود ثقاب، إلى حافة الشباك مدت يدها، وجذبت العلبة. كانت مبتلة. مدت يدها بها إليه لكن الأعواد لم تشتعل أبدًا. سألها عن سبب ابتلال الأعواد فردت عليه أن أصابع الصغير طوحت بها في البحر دون قصد، وهي استعادتها. كأنه كان ينتظر أي رد ليصفعها. كان لدرية وجه جميل وطابع الحسن في ذقنها. انتحبت قليلا، وهو أغلق الباب وطلب منها أن تخلع ثوبها ليناما سويًّا. قالت إن الوقت ليس مناسبًا للنوم فشدها من شعرها وقرص بغلٍّ خدها. كانت تعرف – الآن فقط – أنه يداري عجزه بهذا الشد والقرص. رأته يبكي من الداخل بلا صوت. أسرعت لبيت جارها القريب معوض لتقترض منه علبة ثقاب. عادت ومدت يدها. اشتعل العود، واستغرق في تفكير عميق. ــــــــــــــــــــــــــــــ (٢) رتـــــــــــــــــق
كان قد أغواها. أسمعها الكلام الحلو الذي يدير العقل حتى لانت. ثم فتك بعفـتها بلا رحمة. بكت، فواساها بقوله إن كل شيء يمكن إصلاحه. كل شيء. بعد كل وصول إلى البر تنقر بأصابعها النحيلة زجاج النافذة من الخارج. تسأل أمه : ألا تريدين من يساعدك في رتق الشباك يا خالة هنية ؟ دون أن تنتظر إجابة تأتي الخالة ساحبة أكوام الشباك حيث تجلس معها ترتقها بدربة ومهارة، ورأسها منكسر بعض الشيء. عاد قبل عام من ميناء “بيريه”، وتغيَّر من يومها حتى إنه لم يعد يذهب للمسجد، واكتفى بجلسة المقهى حيث شرب البيرة على الحساب. البنت سعاد رأته في منامها يأخذ بيدها، ويتجولان في جزيرة الذهب . ينبشان التربة ويستخرجان كنزًا. وقد تمنعت حين طلب منها أن تكشف عن سرتها فهي بداية الخلق ليرى كيف تتشكل البدايات. رفضت في الحلم ولكنها وافقت ذات مساء شاحب ؛ إذ تمكن منها تمامًا في حجرة ضيقة فوق السطوح حيث رأت النجوم تومض برقَّة. أدركت بعد مرور ساعة كاملة أنها منحته شيئًا كان ينبغي ألا يأخذه بكل هذه البساطة. ظل سرها وسره والبلدة غافية لا علم لها بالفعل الحرام. تمد أمه يدها بكوب الشاي فتتناوله بفتور وتشرب بلا حماس. يخرج مهندمًا فترجوه بإلحاح أن يجلس ليشرب معهما شايه، يشيح بيده متعللًا بأن أصحابه في انتظاره بالمقهى، فلا يمكنه أن يخلف لهم موعدًا. اشتبك الهلب الثقيل بالشباك آخر سرحة فاتسع الثقب وكان الرتق صعبًا. علمت أمها بالمصيبة، فأخذتها إلى طبيب البندر. دبرا المبلغ الضخم . أجر الجراحة وأجر المخدر، وكانت عملية الرتق رغم سريتها مؤلمة. بعد أسبوعين لا أكثر وجدت جثته طافية على سطح الماء. كانت بها طعنة قرب القلب، ولم ينجح البوليس بكل مخبريه في الاهتداء للفاعل!

زر الذهاب إلى الأعلى