مقالات الرأى

احمد محمد صلاح يكتب علي باب مصر

0:00

كانت الأجواء حول طه حسين واصحابه مواتيه للإبداع ، بعد سنوات من الجهل ، فقد كان العقل المصري مثل الرمال المتحركة العطشة، أقل ما يوصف أن العقل المصري في تلك الفترة كان يبتلع الافكار والترجمات ، المؤلفات والاطروحات ، وكان المتنفس للمثقفين في تلك الفترة ، انتشار الصحافة ، والتي اصبحت وبشكل منطقي للغاية ، وسيلة سياسية لحركة الفكر الجديد التي بدأت رياحها تهب علي جسد كان شبه ميت، فتنفس، ثم بدأ يصحو ويفتح عينيه
في عام ١٨٣٠ عصفت باوروبا العديد من الثورات بشكل متزامن في ايطاليا والسويد والمانيا ،وغيرها من البلدان الأوروبية ، ما نستطيع أن نسميه ، ربيع أوروبي، حتي فرنسا التي شهدت مولد الثورات عصفت بها رياح التغيير، فكان أن نشط الفن الأوروبي بفعل الحركات الثورية الجديدة التي أصبحت تشكل حركة ثقافية امتدت الي معظم المناحي ، فكان جيل 1830 في اوروبا ، هو الجيل الجديد الذي استطاع أن يتحول معه العالم .
وليس غريبا أن تنعكس هذه التغيرات علي منطقة الشرق الأوسط برمتها، خاصة مع وجود عدد من الطلبة من مصر في تلك الفترة في جامعات فرنسا وايطاليا، والبعض كان سائحا بين دول اليونان وغيرها يشاهد ويتفرج علي الفنون والعمارة، فكان التاثر بهذه الثورات التي بدات ثورية ثم اصبحت فكرية تنعكس علي الجميع سواء داخل اوروبا او خارجها .
وكما ذكرت انفا ان الصحافة في مصر طانت قد بدات ، وبالتالي كانت الرياح الفكرية تهب بضراوة علي الجسد النائم، فكانت تلك الواقعة الطريفة التي حدثت عام 1876 م ، حين نشر يعقوب صنوع في مجلة المقتطف مقالا حول دوران الأرض حول نفسها ومن ثم دوارنها حول الشمس، وقال في المقال ما معناه “ان هذا الأمر اصبح اشهر من نار علي علم واوضح من الصبح لكل ذي عينين وتحققت صحته لكل ذي عقل سليم ويفهم” ، كانت رياح التجديد تهب بضراوة .
هاجت الدنيا بسبب هذا المقال وكتب الأب جبريل غبارة ارشمندريت الكرسي الأنطاكي ببيروت مقالا اخر يثبت فيه بالأدلة الدينية ثبات الأرض ، وخرج الأمر من يد الصحافة ليدخل في جعبة المدافعين عن رؤية العلم الحديث والعلوم الطبيعية مثل مصطفي باشا رياض وعبد الله باشا فكري الذين كتبا مقالات تؤكد ان دوران الأرض لا تخالف تعاليم الدين .
في تلك الفترة المبكرة كان لابد من الصدام بين الدين والعلم، بين ماهو راسخ او معلوم بالضرورة، او بمعني ادق رسخ وثبت في العقل، وبين تلك الحقائق الجديدة التي تضرب جذور واساسات تلك الأفكار، فالطبيعي ان ينبري الجميع في الدفاع عن وجهه نظره وعن معتقده، مما يفتح معه ابوبا عده للتفكير، ومن ثم يستيقظ هذا العقل النائم شيئا فشيئا .
وفي خضم هذه التيارات يصل شبلي شميل الي مصر، ليشارك في هذه الصحوة ويصدر كتابا هز أركان الصفوة المثقفة في مصر والعالم العربي وهو كتاب فلسفة النشوء وارتقاء ترجمة لشرح بخنر علي مذهب داروين

زر الذهاب إلى الأعلى