مقالات الرأى

ابوالعباس محمد يكتب : دبوس فيليب وصمت الساخر

0:00

 

منذ عام 91
لازلت أتذكر اليوم الذي شرفني فيه الكاتب الكبير الراحل فيليب جلاب وبصحبته الصديق الغالي الكاتب الساخر عاصم حنفي بزيارة منزلي بمدينة 6 اكتوبر ..
وقتها كنت من اوائل المغامرين بالسكن والإقامة في المدينة
وتقريبا كان سكان المدينة يعدون علي الاصابع ومن يذهب اليها يمكن أن تعتبره في حكم المسافر الي غربة
العمل الصحافي في بدايته هو أيضا حالة من الغربة .. الصحفي الشاب الباحث عن موضع اقامه وثبات لقدمه عليه أن يعيش في غربة دائمة عن بيته .. متفرغا مشغولا متابعا مقيما في قلب الاحداث وبين الناس باحثا عن كل متفرد وجديد
لابد أن تخوض مارثون من سنوات المعاناة والجهد حتي تحقق هذا الهدف ونحصل لقلمك موضع لائق بين الأقلام الموهوبة أو كما يقولون جماعة أو شلة الكتيبة بتشديد التاء ..
هؤلاء الموهوبين في المهنة كانوا يعدون علي الاصابع .. وكانت حروف مقالاتهم صوت يسمعه الجميع .. وأما من يكون شجاعا ومحاربة للفساد منهم .. تجد قلمه يصرخ في وجه الفساد بهذا الصوت العالي محصنا بمعلومات متفردة مكتوبة بابداع يزلزل اركان الخكومة ويتصدر الصفحات الاول ويرعب الفاسدين ..
كان الصحفيون الذين يمتلكون تلك الموهبة في الغالب نجوم لا يقلون شهرة عن نجوم السينما والكرة النجومية
.. لذلك كان الوصول إلي هذه المنطقة شافا .. ابدا لم يكن سهلا علي اي من هؤلاء الكتاب النجوم حتي يبلغوا هذا المقام الصحفي الرفيع
وقتها كانت الصحافة تحترم القلم الشجاع والموهوب صاحب الضمير .. لأنها كانت بحق هي مهنة ضمير الناس وبوصلة اتجاهاتهم ..
عندما تقرأ وتنظر الي كتابات ومقالات هؤلاء الكتاب النجوم .. تشعر وكأن كلماتهم وسطورهم طلقات رصاص تقضي .. طلقات كانت تقضي علي مستقبل اي مسئول فاسد وزير كان أو مديرا .
لم تكن سوي سطور قليلة في مقال لايتجاوز ال٤٠٠ كلمة .. ما أن يتم نشر المقال علي الرلي العام .. علي الفور كان يتربع هؤلاء الكتاب في قلوب وعقول البسطاء في الشارع المصري من صدق وصراحة وأهمية ماكتبوا .. و مابين عشية وضحاها تصبح كتاباتهم حديث الساعة واليوم والاسبوع .. يتداولها الناس علي المقاهي وفي وسائل المواصلات .. الجميع يتحدثون عن شجاعة نجوم وأصحاب تلك الأقلام الشجاعة والسطور الصاروخية
من بين هؤلاء كان فيليب جلاب صاحب اشهر عمود صحفي يحمل عنوان دبوس .. كان واحدا من أهم رموز الكتابة الساخرة في فترة التسعينات .. ..
عموده الصحفي كان مجرد مقال بسيط لكن كل سطر فيه وكانه وخزة دبوس في جسد الحكومة .
كان يكتب هذا المقال أسبوعيا مابين صحيفة الاهالي الحزبية اليسارية المعارضة .. ومجلة روزا اليوسف الأسبوعية ..
خلال هذا الفترة كان الراي العام يثق في هؤلاء الكتاب ثقة هائلة ويعشق هذا النوع من الكتابة اللاءعه هذا النوع واللون من الصحافة والكتابة لما به من سخرية تثير الضحك علي الحكومة إنما ضحك كالبكاء من شدة الآنتفادات الموجعه النافذة التي كانت تحملها يطور الكاتب
لقد كان مقال أو عمود فيليب جلاب اسم علي مسمي فعلا ..
هو دبوس ليس من من حب. علي ورق إنما دبوس من كلمات كانت توخز النائمين في العسل من ابناء السلطة . شكة واحدة منه كانت تقلق مضاجع الحيتان والمرتشين ..
كانت سعادتي تزداد مع كل يوم تتوطد فيه علاقتي وارتباطي المهني بهذا الكاتب العظيم
أما اسع
اللحظات عندما كنت اريد في عنيه زعباراته إعجابا بما تكتبه من تحقيقات هو صنفها بأنها نوع جديد من الصحافة الساهىة .. ومن حماسه وتشجيعه لي بأنه يوما ساكون كاتبا ساخرا له مكانه .. كان أكثر الأساتذة سعادة عندما فزت في مسابقة نقابة الصحفيين بجائزة الكتابة الساخرة
الان للاسف وبعد مرور سنوات علي رحيله يتملكني شعور بالخذلان وعدم الامانه والالتزام
فلم أكن علي قدر العهد والوعد الذي قطعته علي نفسي أن امضي في طريق مدرسته الصحفية واكون واحدا من أهم مربديها
فقد خذلته ولم احقق ماكان ينعتني به من اوصاف تشجيعا علي ان استمر في هذا النوع من الكتابة
فمنذ أن رحل فيليب جلاب آخرين من رموز هذا الجيل .. والصحافة الساخرة تتواري بعد أن كانت لها معني وأثر ورسالة و حق وضمير
سبحان الله تخيل أن هذا الجيل من الموهوبين .. رحل عن عالمنا في سنوات قليلة من هنا واختفت الصحافة المحترمة الجادة الساخرة من هنا .
كنت احزن بشدة علي رحيل كل كاتب فارقنا من هذا الجيل لكن لم أكن اعلم أنهم كانوا يهربون بسرعه قبل أن تتورط أقلامهم فيما نحن فيه الآن من اضطراب فى الكتابة.
وكأنهم كانوا يتوقعون ذلك .

زر الذهاب إلى الأعلى